ربما٬ لا بل المؤكد٬ أن معظم الذين يديرون السياسات الإيرانية٬ وبخاصة ما يتعلق منها بأشقائهم العرب٬ لم يسمعوا بالشاعر العربي الكبيرُطْرفة بن العبد ولا يعرفوا عن معلقته» الخالدة شيًئا وبالطبع لم يقرأوا أحد أهم أبياته الذي ذهب مثلاً منذ أكثر من ألٍف وخمسمائة عام والذي يقول:
فما لي أراني واْبن عِّمي مالكا
متى أدنو منه ينأى عني ويْبعُد
منذ انتصار الثورة الخمينية٬ التي أطاحت عرش الطاووس٬ عرش الإمبراطور محمد رضا بهلوي في فبراير (شباط) عام 1979 والتي لم يتم الكشف عن كل أسرارها بعد٬ بقي العرب٬ أو بعضهم٬ حتى خلال حرب الثمانية أعوام العراقية الإيرانية يحاولون التقرب من إيران ويْسعون لإقامة علاقات حسن الجوار والمصالح المشتركة المفترضة معها٬ لكنها بقيت تقابل محاولات «التقُّرب» هذه بالابتعاد لا بل بالتآمر والتمادي بالتدخل في الشؤون العربية الداخلية إلى أْن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه وأصبحت تحتل دولتين عربيتين هما العراق وسوريا كاحتلال إسرائيل (العدو الصهيوني) لفلسطين وهضبة الجولان السورية.
كان المفترض أن يكون التاريخ المشترك الطويل٬ الثقافي والحضاري٬ بين العرب والإيرانيين عاملاً للتفاهم والتعاون والابتعاد عن كل ما يؤثر سلًبا على العلاقات الأخوية بين أبناء الدين الواحد والمسيرة التاريخية الطويلة٬ لكن المؤسف حًقا وفعلاً أن إيران بدأت فور انتصار ثورتها الخمينية٬ التي ساد اعتقاد بأنها ستنهي سياسات وتصرفات:
«شرطي الخليج وشرطي المنطقة» التي كان يتبعها ويمارسها شاه إيران السابق٬ تعد لحرب الثمانية أعوام ولهذا التوسع العسكري الذي بلغ حدود الاحتلال (الاستيطاني) في العراق وسوريا٬ ولعل الأخطر في هذا المجال أنها حولت ما يمكن أن يعتبره البعض صراًعا سياسًيا فارسًيا عربًيا إلى صراع طائفي ومذهبي بغيض٬ حيث بدأت مبكًرا بالتحشيد له سواء في هذه المنطقة أو في بعض الدول الإسلامية المجاورة والبعيدة.
ما كان يجب إقحام الإسلام العظيم في هذا الصراع الذي افتعلته إيران وأعطته الطابع الطائفي بين أبناء الدين الواحد الُسنة والشيعة٬ وما كان يجب أن يتطلَّع أصحاب القرار في طهران إلى ما وراء حدودهم مع الدول العربية القريبة وأيًضا البعيدة٬ فتحويل الوطن العربي إلى مجاٍل حيوي لـ«إمبراطوريتهم» الناشئة التي يتصورونها مستحيل وغير ممكن حتى وإْن هم تمكنوا من إحراز بعض الاختراقات في هذه اللحظة العابرة المريضة فاستعادة ما يعتبرونه «أمجاد فارس القديمة» لن تكون إطلاًقا.. وأيًضا فإَّن وْهم تحقيق الانتصارات المذهبية التي يتحدث عنها بعض «المعممين» سيبقى بعيًدا بعد الأرض عن السماء وهو لن يؤدي إلا إلى المزيد من الويلات والكوارث التي كان خلَّفها الصراع المذهبي الذي افتعله الصفويون وكانت نتائجه تلك النتائج المدمرة المعروفة.
إن الأفضل والأهم لإيران أن تتخلى عن كل هذه السياسات والممارسات والتطلعات التدميرية وأن تمد يدها لليد العربية الممدودة إليها من دون سوء٬ فالأفضل للشعب الإيراني٬ الذي من الُمفترض أنه شعب شقيق وأَّن ما بينه وبين الشعب العربي يْجمع ولاُيفِّرق٬ ألا يتّم استنزافه بصراعات المقابر و«المراقد» التي واصل افتعالها بعض معممي» الثورة الإيرانية منذ الوصول إلى الحكم في عام ٬1979 وكل هذا في حين أن المفترض أَّن هذه «المراقد» للمسلمين كلهم وأنها للعرب في البداية والنهاية ما دام أن أصحابها عرٌب وينتمون إلى الأمة العربية.. وما دام أَّن نبي الإسلام عربي وكتبة الوحي كلهم عرب ولغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة هي اللغة العربية.
أليس الأفضل أن تراهن إيران على العرب كلهم بكل دولهم القريبة والبعيدة وعلى المسلمين جميعهم بدل رهانها على حسن نصر الله وعلى هادي العامري.. وأيًضا على بشار الأسد ونوري المالكي وعلى الحوثيين وعلي عبد الله صالح٬ وبخاصة أنها تعرف هذا الأخير وتعرف تاريخه كله تمام المعرفة.. أليس من الأفضل ياُترى أن ينشغل الإيرانيون بشؤونهم الداخلية بدل انشغالهم بافتعال كل هذه الحروب وكل هذه الصراعات الطائفية والمذهبية التي استنزفتهم على مدى أكثر من ثلاثين عاًما والتي ستستنزفهم أكثر وأكثر إْن هم لم يبادروا إلى وضع حٍّد لكل هذه التطلعات والتصورات الانتحارية ويتوقفوا عن الاستعانة بأمراض التاريخ لرسم صورة الحاضر والمستقبل.
إنه على أصحاب القرار في طهران أن يدركوا أَّن للصبر حدوًدا٬ وأنه بإمكان العرب٬ رغم كل انشغالاتهم٬ أن يلعبوا في الساحة الإيرانية كما تلعب إيران في ساحتهم٬ وأنه إذا كان الإيرانيون قد تمكنوا من اختراق أحد المكونات المذهبية في العراق وفي سوريا وأيًضا في لبنان واليمن٬ فإنه عليهم أن يتذكروا أن هذه الـ«إيران» التي يعتبرونها واحدة وموحدة هي في حقيقة الأمر عبارة عن لوحة «فسيفسائية» فيها السنة والكرد والعرب والبلوش والآذاريون الأتراك والأرمن والمسيحيون.. والشيعة الفيليون واللور.. وعلى أصحاب القرار في طهران المسؤولين عن افتعال كل هذه المشاكل في المنطقة العربية أن يدركوا أنه: «كما تدينُتدان»… وأنهم كلهم عورات.. وللّناِس أْعين!!
يجب أن يضع أصحاب القرار في طهران في اعتبارهم أَّن الاعتماد على «الجيوب العميلة» في المنطقة العربية هو بمثابة سياسة خرقاء سترتد عليهم وأَّن محاولات الفرز المذهبي التي يقومون بها اعتماًدا على ميليشيات مستوردة لن تنجح إطلاًقا٬ فشيعة العراق قبائل عربية عريقة شارك أجدادها الأوائل في ذي قار والقادسية٬ وشارك أبناؤها الذين كانوا يشكلون نسبة تزيد على 65 في المائة في الجيش العراقي في حرب الثمانية أعوام العراقية الإيرانية.. وعلى أصحاب القرار في طهران أن يدركوا أن الانتماء الأول للعربي هو الأمة العربية وهو الإسلام العظيم.
قبل أيام قليلة دعا اثنان من «المرجعيات» الإيرانية هما آية الله ناصر مكارم شيرازي وآية الله نوري همداني إلى منع ما وصفاه بالممارسات المعادية للشيعة في باكستان التي قالا إنها «تهدد وحدة المسلمين» وإنها «ممارسات تكفيرية»٬ وكان عليهما٬ إْن كانت ادعاءاتهما هذه صحيحة٬ وأغلب الظن أنها غير صحيحة٬ وأنها من قبيل نثر جمر الفتنة في اتجاه هذه الدولة الإسلامية الأساسية٬ أن يتذكرا أنه إذا حصل فعلاً ما تحدثا عنه فإنه بالتأكيد من قبيل التأثر بما تفعله إيران في العراق وفي سوريا وفي لبنان وفي اليمن٬ وأنه من قبيل الرِّد على كل هذا التحشيد المذهبي الإيراني واستيراد عشرات بل مئات التشكيلات والتنظيمات والمذهبية المصابة بكل أمراض التاريخ المفتعلة والموهومة للمشاركة في ذبح الشعب العراقي والشعب السوري والمشاركة في تدمير العراق وسوريا.. في كل الأحوال إن اليد العربية ستبقى ممدودة للشعب الإيراني ورغم كل شيء!!