حتى إشعار آخر، ينتظر أن يقتصر الأمر على الحرب الكلامية بين واشنطن وطهران، بعد التصنيف الأميركي لـ«الحرس الثوري» الإيراني منظمة إرهابية تلاحقها العقوبات المشددة على إيران.
لم يكن من بد أن تتزامن التحذيرات المتبادلة بين الجانبين: مايك بومبيو يحذر الجانب الإيراني من التعرض للقوات الأميركية بقوله «إننا أوضحنا بشكل جليّ أنه لا يمكن لإيران أن تتهرب من المسؤولية عن أي أذى تتعرض له المصالح الأميركية أينما كان في العالم من خلال القيام بذلك عبر قوة عميلة. وهم يفهمون سياسة ترامب». ومن جهة ثانية، لم يكن بوسع قادة الحرس إلا أن يهددوا بالويل والثبور، وباستهداف القوات الأميركية وأن يتبع قادة الحرس في ذلك، الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بقوله أن «محور المقاومة لديه أوراق قوة وقد يلجأ إلى رد فعل في كل الساحات». استبق بومبيو بساعتين ما قاله نصر الله، وما يفكر فيه حكام طهران، فنبه من أن «إيران قد تلجأ إلى وضع أنظمة صواريخها داخل لبنان، وخطر التصعيد بين حزب الله وإسرائيل حقيقي»، ثم بقوله أن «التكنولوجيا التي زودت بها إيران الحوثيين تشكل خطرا على دول الخليج وأميركا».
فضلا عن أن تصعيداً أميركيا من النوع الذي حصل غير مسبوق ويستدعي التفكير مليا من حكام طهران بآثاره السيئة والمؤذية عليهم، فإن مكابرة هؤلاء واعتدادهم الشهير بالنفس، وإتقانهم فن الحرب النفسية، على السواء، يدفعهم إلى هذا النوع من التصعيد الكلامي. وهو مفيد لهم في طبيعة الحال، لتعبئة الجمهور الإيراني داخليا وجمهور الأذرع الإيرانية في الخارج، إزاء أيام صعبة آتية عليهم، سبق للمرشد علي خامنئي ولنصر الله أن أقرا بها.
مع تعدد الساحات التي تلمح طهران إلى إمكان الرد فيها على الإجراءات الأميركية، فإن الانتقال إلى مواجهة، أو مواجهات أو ضغوط عسكرية بين الجانبين خيار مستبعد نظرا إلى عواقبه. في لبنان سبق لإسرائيل أن أكدت للدول الكبرى أنها لا تريد حرباً، و«حزب الله» كذلك. وآخر مرّة لاح فيها احتمال كهذا، كان عند اكتشاف أنفاق الحزب من الجنوب إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة. ما أبلغه الفريقان إلى هذه الدول شديد الجزم بعدم الرغبة بأي مواجهة. وإذا هناك خوف من أن تفرض طهران على الحزب، خوض المواجهة من الجبهة اللبنانية بالنيابة عنها، فإن الحزب يدرك مدى الدمار الذي سينجم عنها لمناطق نفوذه ولناسه الرافضين تكرار مآسي الحرب على رغم «الانتصارات»، فضلا عن أن الانصياع لطلب ولي الفقيه بإرسال المقاتلين إلى الحرب في سورية، غير خوضها على الأرض اللبنانية، من دون أن يلغي هذا التردد المفترض، حذر إسرائيل من الكلفة العالية لصواريخ الحزب إذا وقعت الحرب.
وإذا كان إدراج القيادة الإيرانية القوات الأميركية المركزية (سنتكوم)، ضمن «الجماعات الإرهابية»، والمعني بها منطقة تمتد من أفغانستان والعراق واليمن والخليج إلى سورية ولبنان، (وهذا ما يقصده نصر الله بـ«كل الساحات») فإنه سبق لواشنطن، خلال السنوات الماضية، أن أبلغت طهران عبر وسطاء، مرات عدة، بأن أي تصدٍ لقواتها سيكلفها أثمانا كبرى، فكان جواب القادة الإيرانيين أنهم يدركون ذلك، وأنهم لا يريدون هذه المواجهة، ويفهمون مخاطرها، وعلى رغم ذلك فإن أي خطأ في الحسابات نتيجة مغامرة قد يقدم عليها بعض قادة «الحرس»، سيكون مدمرا لإيران وله آثار كبرى على دول المنطقة. وعلى رغم أن المناخ في واشنطن ليس مع خوض حرب، فإن هناك من يعتقد أنه إذا تحدتها طهران قد يعتبر بعض الدولة العميقة في الإدارة الأميركية أنه لا بد من الرد العنيف، لاعتقاده بأن ضرب إيران ربما يكون وسيلة من أجل ردع دول كبرى أخرى مثل الصين، عن تحدي دولة «العم سام». هذا مثل عن الخطأ في الحسابات المفترض.
أما إذا كان المقصود بالمواجهة، هو لعب الأوراق السياسية، باستخدام نفوذ طهران في العراق للضغط من أجل سحب القوات الأميركية منه، على ما طالب خامنئي عند استقباله رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي الأسبوع الماضي، فإن الأخير واحد من الذين نقلوا ثلاث مرات، الرسائل الأميركية إلى القيادة الإيرانية بدعوتها إلى التفاوض على شروط واشنطن عليها بعد انسحابها من الاتفاق على النووي وتصعيدها العقوبات، لكن المرشد رفض ذلك بالمطلق. إلا أن بغداد تردد بأن القوات الأميركية موجودة بطلب منها.
في اليمن يزداد الانحياز الدولي إلى التحالف العربي ضد إيران. وسورية تشهد تقاطعا أميركيا روسياً. وأفغانستان ميدان قابل للاستخدام من واشنطن أكثر من طهران.
وإذا كان المقصود بالمواجهة، التي تسعى إليها طهران، استباق تشديد العقوبات الشهر المقبل، بوقف الإعفاءات من العقوبات لعدد من الدول التي تستورد نفط إيران، وبالتالي الأخذ في الاعتبار ما قاله القائد السابق للحرس محسن رضائي لترامب: «قل لأساطيلك ألا تقترب من زوارق الحرس الثوري»، فإن البواخر الإيرانية التي تهرّب النفط قد لا تنجح في ذلك، لأن المشكلة ستكون عند الجهة التي ستفرغ حمولتها لمصلحتها… حتى لو كانت في سورية.