لبنان بين سندان مفاوضات المنطقة ومطرقة الانتخابات
لم يكن لبنان يوماً على طاولة البحث الإقليمية والدولية، كما هو عليه اليوم، ولم تكن الأزمات المتتالية التي عصفت بلبنان على مدى السنوات الماضية أكثر خطراً على مصيره وكيانه كما هي عليه اليوم، ولم يكن خوف اللبنانيين على لقمة عيشهم وحياتهم ومستقبل أولادهم طوال السنوات الماضية كما هو حالهم اليوم.
فلبنان يعيش اليوم في مهب الريح، حيث العواصف العاتية على المستويات السياسية، والمالية، والاقتصادية، والاجتماعية تضربه من كل حدب وصوب وتضعه على عتبة الانزلاق باتجاه بالمجهول، كون أن ما يجري يفوق طاقة تحمله على الصمود ولو بالحد الأدنى بعد أن فقد منسوباً عالية من هذه الطاقات التي ذهبت سدى أمام موجة الضغوط التي يتعرّض لها من أكثر من جهة، بعد أن أصبح ورقة مهمة على طاولة الكباش الاقليمي والدولي التي تعج بالملفات التفاوضية للعديد من الأزمات المفتوحة على مساحة المنطقة.
ومن نافل القول أن ما يجري في لبنان لا ينفصل أبداً عمّا هو حاصل في المنطقة، لا بل إنه ملتصق به التصاقاً كبيراً، من هنا فإن الوضع اللبناني يميل كيفما مال كباش التفاوض الذي يجري على خط أكثر من ملف، وعلى وجه الخصوص الملف النووي الإيراني، وملف المفاوضات التي ما تزال خجولة بين طهران والرياض.
عودة إيران للتفاوض مع مجموعة 4 + 1 تمهّد الطريق أمام حل العديد من الملفات
من هنا فإن المتابعين لمسار الوضع اللبناني يعوّلون كثيراً على حصول أي تقدّم على مستوى هذين الملفين، وهم توقفوا بارتياح أمام ما أعلنته الخارجية الايرانية خلال الساعات الماضية من أنها ستعلن هذا الأسبوع موعد عودة المفاوضات النووية مع دول مجموعة 4 + 1.
وفي رأي هؤلاء أن مجرّد عودة الأطراف المعنية بالملف النووي إلى الطاولة التفاوضية، فإن ذلك يريح الوضع اللبناني لكنه يبقيه منتظراً ما ستؤول هذه المفاوضات، فإن هي نجحت في وضع هذا الملف على مساره الصحيح ساعتئذٍ يؤمل أن يشهد الملف اللبناني ارتياحاً من الممكن أن يتحوّل مع قابل الأزمة إلى حلول لغالبية أزماته. ويتوقع هؤلاء أن تنجح العملية التفاوضية بين إيران والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في اتجاه التفاهم على هذا الملف، لأن طهران ما كانت لتقوم على خطوة العودة إلى طاولة التفاوض لو لم تكن تملك معطيات مشجعة لهذه العودة، لأن الإيرانيين ليسوا في وارد العودة لمجرد العودة بل انهم يريدون نتائج تؤدي في نهاية الأمر الى رفع العقوبات التي تؤذي الشعب الإيراني نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض على إيراني منذ سنوات.
وإذا كان المتابعون للملف اللبناني يعوّلون على حصول تقدّم في المفاوضات السرية والعلنية التي تجري للوصول الى تفاهمات حول بعض الملفات في المنطقة، فإنهم في الوقت ذاته يرون أن الانتخابات النيابية وفق ما هو متوافر من معطيات نتيجة الوضع السياسي المأزوم، ستكون سبباً اضافياً لتأزم الوضع الداخلي، حيث يرتقب أن يشتد الاشتباك السياسي وترتفع وتيرته إلى أبعد الحدود من الآن وحتى يحين موعد اجراء هذه الانتخابات في حال لم يطرأ ما يؤدي إلى تأجيلها.
ويعتبر هؤلاء أن الانتخابات النيابية ستكون هذه المرة مغايرة تماماً عمّا سبقها من انتخابات، حيث يتنظر أن يؤدي تغير مزاج الرأي العام وغضبه الشديد على السياسيين إلى قلب المعادلة وهو سيفعل فعله في هذه الانتخابات التي سيكون من الصعب التكهن إلى ما ستؤول إليه من نتائج، وفي تقديرهم أم المعارك ستكون في المناطق المسيحية التي سيختلط فيها الحابل بالنابل على مستوى التحالفات، حيث من الممكن أن يكون هناك مفاجآت غير متوقعة على هذا المستوى، نتيجة النقمة الموجودة في الشارع المسيحي من القوى السياسية الموجودة في الشارع حالياً، وهذا الأمر من شأنه أن يرفع منسوب التشنج والتجاذبات السياسية إلى أعلى مستوى لها،لا سيما وأن قوى خارجية ستدخل بقوة على خط هذه الانتخابات بهدف قلب الطاولة وتحويل الأكثرية الحالية إلى أقلية في الانتخابات المقبلة، ولذا فإن هذه القوى التي تريد أن يطبق في لبنان النموذج العراقي في الانتخابات الأخيرة، تدخلت بشكل قوي لمنع استقالة الحكومة، لأن اقدام الرئيس ميقاتي على تقديم استقالته يعني ذلك تطيير الانتخابات وهو ما لا تريده بعض الدول الفاعلة في الملف اللبناني.
من هنا فإن هؤلاء لا يرون أن هناك خوفاً على الحكومة، باعتبار أن المظلة الدولية التي سهّلت على الرئيس ميقاتي ترؤس هذه الحكومة ما تزال موجودة، وبالتالي فإن تداعيات التطورات الاخيرة ربما تبدأ بالانحسار مقابل الأيام من دون أن يعني ذلك معالجة جذرية لها، وهذا المناخ سيبدأ بالظهور مع زيارة وزير الخارجية القطري التي سيقوم بها خلال الأيام القليلة المقبلة إلى بيروت، في ظل قرار أميركي – فرنسي بالحفاظ على بقاء الحكومة واجراء الانتخابات النيابية في موعدها.