ليست المرة الأولى التي يشعر فيها أهل الممانعة بالانتعاش. فكلما لاحت بوادر انتصار عسكري حققه نظام دمشق ضد شعبه، كانت تبرز رؤوس الذين يطأطئون الرؤوس. وكلما سجلت طهران نقطة دبلوماسية في ملعب خصومها، عقَد هؤلاء الأمل على تغيّرات تعيد أمجادهم الغابرة في الهيمنة والتلذّذ بالاستتباع.
لا يتردّد الفريق الممانع – الذي فضحته حال انهيار شارك فيها من موقع صاحب السلطان – في استعراض العضلات والتهويل بالاحتفال، رغم ان ما ارتكبه ضمن منظومة الفساد أوصل اللبنانيين الى ما يفوق الاحتمال. ومع الإقرار بحق نظام دمشق الذي رعى هذا الفريق وشاركه في التأسيس للكارثة، والذي كان يُحسب جثة تنتظر شروط الدفن، أن يشعر بالدم يسري مجدداً في عروقه، فإنه يجب التذكير بأن استئناف الرياض تواصلها معه لا يزال على مستوى أمني قد يتطور الى سياسي مشروط، وقد لا يتطور على الاطلاق.
مفيدة طبعاً للسلطة الايرانية لعبة الوقت والرهان على ادارة اميركية جديدة تعاود سياسة اوباما تجاه “الملف النووي”، لكن اللعبة نفسها تفتقد الى الحد الأدنى من المسؤولية حين يمارسها طرف لبناني يعتقد ان تحقيق “انتصارات” في المحور الايراني يبرر أخذ لبنان رهينة، فيما يندر حليب الأطفال و”تبشِّرنا” سلطة المنظومة بالعتمة إن لم تنهب مجدداً مئتي مليون دولار من ودائع الناس.
واقع الأمر ان اللعبة الدولية والاقليمية في ما يتعلق بمستقبل سوريا غير واضحة النهايات. ومع ميلها الى التسليم بشرعية الأسد بعد اعادة انتخابه، فإنها تستهدف اصلاً إعادة تأهيل سوريا التي تحوّلت ملعباً لجملة جيوش اقليمية ودولية. أما مصير الأسد النهائي ضمن هذا السياق فمرهون بتطور العلاقة الأميركية – الايرانية وقدرة نظام طهران أيضاً على التأهل، ذلك ان انفكاك الرئيس السوري عن الراعي الايراني لم يعد بضاعة يمكن بيعها للرياض أو وهماً يشتريه الأوروبيون والأميركان.
من المبكر جداً التهليل لـ”انجازات” محور ايران. صحيح انه يحاول اعادة عقارب الساعة الى الوراء، لكن دون ذلك تجربة اهل الخليج المريرة مع بشار الأسد، وخبرة الأميركيين مع حلاوة اللسان الايرانية وإخفاء الأوساخ تحت السجاد، وكل مصالح المتدخلين في الشأن السوري، ناهيك عن التنازلات التي ستفرضها موسكو على الأسد ليطبع تدريجاً علاقته مع اسرائيل. أما اعتقاد أهل 8 آذار بإمكان الاستثمار في التطورات لعرقلة قيام حكومة تستعيد الحد الأدنى من التوازن وتضخ بعض الاوكسجين، أو الحؤول دون انتخابات تصحح التمثيل الشعبي عبر اعادة تكوين السلطة لمصلحة الناس، أو دفن دعوة البطريرك الراعي لمؤتمر دولي يعلن الحياد، فلن يُكسِب لبنان سوى مزيد من الانهيار وصولاً الى الانحلال، لأن المدخل الحقيقي للخروج من الحفرة هو نهج معاكس تماماً لذاك الذي أوقعَنا فيها، بعدما أرساه نظام الوصاية على قاعدة نهب السيادة والمال ممزوجاً بشعارات الانتصار.