ما بين «طُرْفَة» تهديد إيران بالانسحاب من مفاوضات ڤيينا بشأن الأزمة السوريّة بعدما أمضت خمسة أعوام تستجدي «دعوة» إلى أي جنّة جنيڤ 1 و2، ومرور ستة وثلاثين عاماً غداً في الرابع من تشرين الثاني على أزمة الرهائن الاثنين وخمسين أميركياً واحتجازهم في مبنى السفارة الأميركية في طهران لمدة أربعمائة وأربعة وأربعين يوماً من 4 تشرين الثاني 1979 حتى 20 كانون الثاني 1981، وما بينهما بيان المئة واثنان وتسعون نائباً إيرانياً من أصل مئتي وتسعين والذي نشرته وكالة الأنباء الإيرانية عشية ذكرى احتلال السفارة الأميركيّة «إن إيران أمة الشهداء ليست مستعدة إطلاقاً للتخلي عن شعار «الموت لأمريكا» بحجة إبرام الاتفاق النووي» لأنّ هذا الشعار «أصبح رمز الجمهورية الإسلامية وجميع الأمم المناضلة التي تعتبر جمهورية إيران الإسلامية نموذجاً لها في هذا النضال»!!
«إدمان»؛ يُعاني المحافظون الإيرانيون ومن لفّ لفّهم في العراق واليمن والبحرين وسوريا ولبنان من حال «إدمان» مزمن على الصراخ «الموتُ لأمريكا»، فيما «أمريكا العزيزة» افتتحت يوم السبت الماضي 31 تشرين الأول، أوّل سلسلة مطاعم الوجبات السريعة الأميركية الشهيرة «كنتاكي» أول فروعها في طهران، وطبعاً بنوعيْه «سبايسي وعادي»، فيما «البلهاء» في لبنان كانوا يهتفون منذ بضعة أيام «الموت لأمريكا» الذي ارتفع في مواجهته في طهران شعار «KFC حلال» وبتصميم ديكور داخلي للمطعم يشبه العلم الأميركي، أمّا سلسلة مطاعم «ماكدونالدز» الأميركية فتستعدّ لفتح فروع لها في إيران بعدما نشر موقعها في تشرين الأول الماضي استمارة تمنحها حق الامتياز لفتح فروع لها في إيران!!
«البُلَهاء» في لبنان والعراق واليمن يهتفون «الموتُ لأمريكا»، فيما يهتف الشباب الإيراني في طهران وسواها «وداعا للفلافل، مرحباً ماكدونالدز»، أو يصورون عبر مواقع التواصل الإجتماعي مجموعة من الشباب تقفز فرحاً ويعلّقون: «هذا رد فعل كل شخص عندما يعلم أن ماكدونالدز وبيتزا هت سوف تفتح فروعا لها في إيران»، وبالطبع هذا لا يمنع أنّ «البُلهاء» في لبنان يصرخون «الموت لأمريكا» ويصطحبون بعد التظاهرة «عوائلهم» ليتناولوا الغداء في أحد مطاعم «العدو الأميركي»!!
لم يَعُد يُجدي نفعاً الاتّهام الذي وجّهه المرشد الأعلى «علي الخامنئي» الأحد الماضي لـ»أمريكا» بأنّها «مسؤولة عن قسم كبير من مشاكل المنطقة وهي ليست جزءا من الحل»، ولم يعد مقنعاً أبداً ادّعاء الخامنئي أنّ «أهداف الولايات المتحدة في المنطقة مختلفة تماما عن أهداف إيران»، فالـKFC حلال بات هدف الشعب الإيراني، ولن نلبث أن نراهم يقفون طوابير في انتظار شطيرة «برغر حلال» من عند «ماكدو» تماماً كما شاهدنا الشّعب الروسي يقف طوابير في انتظار «شطيرة العدو الأميركيّ» بعد سقوط الاتحاد السوڤياتي، وإذا كان البعض لديه شكّ حتى الآن عن هويّة المنتصر في مفاوضات تموز الماضي والاتفاق النووي الإيراني، فنودّ أن نذكّره بإعلان إيران بالأمس أنّها بدأت بتنفيذ الاتفاق وتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي والتي من المنتظر أن تخسر إيران أكثر من ثلثيّها بموجب هذا الاتفاق.
إيران تواجه أزمة الإقلاع عن «إدمان» هتاف «الموت لأمريكا»، بالطبع الإقلاع عن إدمان شعار «موجع» جداً ويصاب المدمن عليه إما بانفصام ذهاني يتبعه جنون، أو يتسبّب في إقدامه على «الانتحار»، ثمّة نماذج حيّة في لبنان من أولئك الذين لم يستوعبوا بعد سقوط الاتحاد السوڤياتي ونهاية الشيوعية في روسيا، هذا ما تواجهه إيران التي قام النظام فيها على هذا الشعار، فإذا غاب الشعار لن تلبث المنظومة كلّها أن تذهب، هذا ما فعله الخميني عندما جاء إلى السلطة اختار أقوى دولة في العالم وأوْهم الإيرانيّين أنهم يحاربونها وسيهزمونها، وهذا الهذيان نسمعه من حين لآخر على لسان أمين عام حزب الله عندما يوهِم حسن نصرالله جمهور الضاحية بأنّهم هزموا أميركا وإسرائيل دفعة واضحة، أما في طهران فالكلام والموقف مختلف!!
في إيران، وفي 27 آب الماضي «طلعت صرخة» قائد قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني العقيد برات زاده الذي اعتبر قرار الحكومة بحذف شعارات «الموت لأمريكا» في المساجد»غير صائب»، واختصر برات زادة الواقع الإيراني الآن فقال: «كل ما نملكه نحن في إيران مرتبط بهذه الشعارات»، أمّا الحرس الثوري فاتهم الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني وحمّله المسؤولية غير المباشرة بحذف شعار «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» في بعض المساجد الإيرانية، ومن البديهي أن هكذا قرار لا يتّخذ ويُنفّذ في دولة مثل إيران إلا بإيعاز من حاكمها الحقيقي «المقدّس» المرشد علي الخامنئي، ومع هذا يبقى سؤال أي مطاعم وأكلات ستصدّرها إيران الخميني والخامنئي إلى «أمريكا»: هل ستفتتح إيران بالفارسيّة سلسلة «تخت جمشيد» أو «نقش رستم» وتقدّم للأميركيين «شيش جوجه» [تكا دجاج] أم ستصدّر أكلتها الشعبيّة «فسنجان»، أم الكباب إيراني، أم ستفتتح من وحي احتلالها للعراق بالتكافل والتضامن مع أميركا مطعم «أم نوري» صاحبة أشهر مطعم للأكلات العراقية والايرانية؟!