IMLebanon

إيران على مشارف الأفول؟

 

كأنّ نظام ولاية الفقيه بات يشبه «الملك لير» التائه في عماه وحماقته. تخلّى عنه الجميع وتركوه شلواً لا نصير له، ولا معين. الشعب الإيراني الذي لم يعد يتحمّل جنونه المدمّر، يثور عليه، (استمراراً لثورة 2009) يحاصره بانتفاضات شعبية تجاوزت طهران إلى نواحي البلاد كلها: الوضع الاقتصادي متدهور. العملة الوطنية متهاوية. القمع كأنما ما عاد يجدي لا الحرس الثوري (حامي الفساد، وناهب الخيرات، وناشر الرعب والخراب) تآكل الداخل، وعجز عن معالجة الأمور المعيشية. ثورة متعددة الوجوه: نقابية، اجتماعية، وطنية، تقاوم الديكتاتورية ولصوصها ومجرميها (قدرت ثروة المرشد الأعلى بنحو 200 مليار دولار)، والحرس الثوري يستولي على مقدرات البلاد. لم يعد شيء يشفع به. ظن أنه قمع انتفاضة 2009 ليقضي على كل صوت معارض. لكن مَن قال إن الثورات متى اندلعت تموت؟ تنمو في الدواخل وفي الحاجات وفي النفوس «اليائسة». وها هي تُستعاد اليوم بأشمل وأقوى وأنجع وأفعل.

 

الشعب فَقَدَ ثقته بنظام الملالي، وها هو يصرخ بأعلى ضميره «فليسقط الديكتاتور». تجاوزت التحركات الشعبية مطالبات ثورة 2009 المحصورة في طهران، والمقننة بردها على تزوير الانتخابات الرئاسية لمصلحة أحمدي نجاد، إلى عمق البنية الايديولوجية، والسياسية، وهواجسها التوسعية، وإثارتها الفتن والحروب ضدّ جيرانها العرب من سوريا (كلفتها الحرب حتى الآن نحو 100 مليار دولار)؛ إلى اليمن، فالعراق.. لتصل إلى السعودية والإمارات والكويت ومصر.. والجزائر.. الخلايا والتخريب واستنبات الفتن.

 

كل ذلك تحمّله الشعب: البطالة ازدادت، الوضع الاقتصادي على الحضيض، الواقع الاجتماعي مفكك، الفقر، القمع، الاستبداد، الإعدامات، أحس الشعب أن سلوك نظامه حاصره في الداخل وفي الخارج.

 

لكن نظام الملالي كان بعيداً، يتبجح بانتصاراته وبغزواته عدة بلدان عربية، ليضمّها «كولايات» جديدة إلى امبراطوريته. فسوريا والعراق واليمن باتت إيرانية (على غرار اعتبار الاستعمار الفرنسي الجزائر فرنسية).

 

العزلة الداخلية

 

حصار داخلي مطبق، وعزلة خارجية غير مسبوقة: أوروبا، أميركا، العرب، تصرف معها نظام الملالي، باستهتار، ظاناً أن إطلاق أوباما يديه في الاعتداء على جيرانه، ونشر الفوضى والحروب، وغض أوروبا النظر، يبدو أنهما انتهيا: وها هي العقوبات الاقتصادية، والتجارية، ليعبّر العالم عن غضبه من سلوك هذا النظام. أوباما رحل، (وكان شبه حليف لإيران) وأوروبا وأميركا تضعان حداً للأهداف التوسعية والعدوانية فلا توفران حلفاء نظام الملالي من هذه العقوبات، كـ«حزب الله» و«الحرس الثوري» اللذين وُضِعا على لائحة الإرهاب. فتهمة الإرهاب باتت لصيقة جداً بنظام خامنئي: أكثر: ها هي روسيا (وأميركا)، تطالبان بخروج الميليشيات الفارسية من سوريا، بما في ذلك كل الميليشيات الآتية من أفغانستان وسواها.

 

هل هي نهاية مشروع «الهلال» الفارسي، الذي يريد أن يعدم وجود الدول العربية؟ هل هي بداية أفول الظاهرة الخمينية بتصدير الثورة إلى العالم؟

 

إلغاء الهوية

 

مَن يراجع أوضاع «الاحتلال» أو الانقلابات الإيرانية في بعض الدول العربية، يلمس بوضوح تقهقراً شاملاً على كل الجبهات: الشرعية اليمنية على قاب قوسين من هزم الحوثيين. الشعب العراقي صحا من غفوته المنساقة إلى ما ترتكب إيران في بلاده: وها هو ينتفض ويُطالب بخروجه من العراق. أكدت الانتخابات هذا التحوُّل، حيث فاز مقتدى الصدر، المعارض الأول للوجود الإيراني وهيمنته ومحاولته تدمير الوجود العراقي، وإلغاء هويته العربية، وطمس تاريخه، واستبعاد ناسه (يرون أن إيران تحاول إلغاء حتى الهويات الشخصية للعراقيين لزرع البلبلة في نفوس الناس: أنحن بلا هوية عراقية؟) إنها المرة الأولى في التاريخ التي لم يحدث ذلك لا في الاستعمار الأوروبي ولا أثناء وجود الامبراطورية العثمانية. كأنما جنون النظام الإيراني، بذهنيته الاستعبادية، يريد عبرها إلغاء هوية الناس، بإلغاء وجودهم المادي، والوطني وانتماءاتهم، وحرياتهم الجماعية والفردية، لكن بادر اليوم العديد من القيادات إلى استئناف تسليم الناس هوياتهم الشخصية. هذه الخطوة الفاحشة لا يقدم عليها سوى مرضى العقول والاستئثار ممَن أعمتهم الكراهية للعرب والسنّة والشيعة معاً. والكل يعرف أن رئيس الحكومة السابق المالكي بصلفه، وأمّيته، (الذي سلّم البصرة لداعش بأمر من خامنئي)، قد نهب دفعة واحدة 200 مليار دولار اختفت، وتبخّرت. والعارفون يحسبون أن معظمها ذهب إلى خزائن إيران. كل شيء مستباح، كرامة الشعوب، أموالهم، حرياتهم، سيادتهم وحتى وجودهم. كأنما حُوِّلوا دُمىً بلا روح ولا عقول ولا إرادة، ولا مصير، يتلاعب بها هذا النظام المحكوم بهلاوس العظمة، واستعادة الامبراطورية الفارسية من خلال بدائل مذهبية، منغلقة، عديمة الحول والقوة.

 

وكأنما اليوم بات على مشارف نهاية «أحلامه» وأطماعه وطموحاته. أكثر من ذلك! اكتشف الشعب العراقي العريق بعروبته وانتماءاته، أن هذه الإيران تحارب بسواها، من خلال الميليشيات التي نُظمت من الشعوب العربية: فهي تحارب بدم اللبنانيين، من خلال حليفها المفدّى «حزب الله»، في سوريا، (نحو 3000 ضحية وألوف الجرحى من شباب لبنان خدمة لمصالح الولي الفقيه). وكذلك الحوثيون، وهم من أبناء اليمن، غُرر بهم، ونفذوا انقلاباً ضدّ الشرعية المنتخبة، فالقتلى والضحايا من الشعب اليمني الذي جرّته إيران بحوثييها إلى تدمير بلاده، والقضاء على دولته، وعلى اقتصاده، وعلى بشره وحجره.

 

وسوريا الأسدَين

 

هكذا كانت تفعل سوريا ِ«الأسدَينٍ»: تعقد اتفاقات ضمنية مع إسرائيل، وترتاح، ثم تحارب إسرائيل بدماء الشعب اللبناني، في اليمن انقلاب الحوثيين وفي لبنان انقلاب الحزب على حكومة الحريري وإسقاطها بشرعنة «غيستابو» سرايا الدفاع والقمصان السود. ولا يختلف الأمر في العراق: فالحروب الداخلية المنهجية دفع ثمنها العراقيون، وتمتع بها الخامنئيون. إنها اللحظات الفردوسية، بينما كل ما هو عربي، سني، ينهار، لتسود سياسة الدويلات المتناحرة، والنزاعات المذهبية. وهل ننسى شعار «حزب الله» عندما أمره المرشد الأعلى بالانخراط في الحرب السورية، لإنقاذ نظام حليفه بشار الأسد. الادّعاء بأنه ذهب إلى هناك لحماية مقام السيدة زينب. شعار طائفي ساعد على تحويل المعركة من وطنية شعبية إلى مذهبية مسلحة، وكان من حصيلتها، تهجير نحو عشرة ملايين سوري، من الطائفة السنية، وتجنيس عشرات الألوف من الإيرانيين لتغيير المعادلات الديموغرافية الألفية.

 

استباحة تامة لحقوق الإنسان، وتجاوز لكل الأعراف، وتهافت أعمى على مشروع أعمى سمُّوه «الهلال الشيعي» وهو في الواقع الهلال الصهيوني القديم المعروف باسم إسرائيل الكبرى.

 

التواطؤ

 

وبرز السؤال: إلى متى يتواطأ العالم مع هذه الامبراطورية المسخ، إلى متى يمضي في غفلته، أو في مشاركته في هذا المشروع الخبيث؟ إلى متى يبقى العرب محصورين ومحاصرين بمطالبات لفظية لوضع حد لها؟ انتفضت السعودية وبلدان الخليج عندما وصل الأمر بهؤلاء إلى احداث انقلاب على الشرعية اليمنية المنتخبة، وفبركة ظاهرة الحوثيين عبر بعض الموتورين. فليتحاوز التحالف العربي أروقة المؤتمرات والمؤسسات العربية والدولية العاجزة، ويواجه هذه القوى التخريبية، بردعها العسكري، وها هي الشرعية بمساندة قوات التحالف العربي على مشارف تحرير اليمن من ميليشيات الحوثي، تدرك الحديدة، إحدى معاقل التخريبيين، وترد اعتداءاتهم على الممرات البحرية. بدأت ميليشيات الحوثي تتقهقر على كل الجبهات، ويفر «محاربوها» من ساحات المعارك، أفراداً وجماعات.. لنتذكر جملة جمال عبدالناصر «ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة». طبعاً، المعركة ما زالت طويلة، فهذه الدولة المارقة، زرعت خلاياها وميليشياتها في أكثر من بلد عربي (وصولاً إلى أوروبا، باستثناء إسرائيل «يا للمفارقة»)، وهي ما زالت قادرة على الدفاع عن هزائمها بكل أسلحتها الإرهابية المتاحة: التفجير، والاغتيال، ودعم الثورات المضادة ودعم البوليساريو ضدّ المملكة المغربية، لقاء داعش في عملياتها ضد الأبرياء في فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، وبلجيكا وموافاة القاعدة في جرائمها (كل قادة القاعدة موجودون في إيران؟). فالامبراطورية الفارسية، تبحث عن كل وسيلة، لتمكين الحركات الإرهابية من الاعتداء على العرب والعالم: دولة إرهابية لا تنتج سوى الإرهاب، على صورتها البهية المقدسة.

 

إسرائيل فإيران

 

وهناك صورة بهية أخرى، هي إسرائيل نتنياهو، يتماهى نظام الملالي في عقله، ومنهجيته: نتنياهو يمعن في قتل الفلسطينيين، والتوسع في بناء المستوطنات، وسرقة الأراضي الفلسطينية، وقرض مساحات القدس، ليعلنها عاصمة إسرائيل الأبدية. (فالتوراة جاهزة، والأساطير والخرافات كذلك) إسرائيل وإيران الملالي يترافدان في غزو العالم العربي: إيران تدّعي انها تحتل كولاية من ولاياتها لبنان، وسوريا، والعراق وحتى اليمن، من دون أن ننسى أنها تحتل الجزر العربية الثلاث (طمب الكبرى وطمب الصغرى وجزيرة ابو موسى والأهواز) إيران تزجّ في سجونها المنتفضين وتمارس عليهم تعذيباً وإذلالاً، وإسرائيل تزجّ في السجون المنتفضين الفلسطينيين الذين يحتجون على خططها التوسعية.

 

لكن إيران قد تكون تفوقت على إسرائيل، فإسرائيل توسع مستوطناتها من أجل شعبها، ولم نسمع أنها ارتكبت مجازر في الإسرائيليين. بينما إيران، تفتح سجونها لأبنائها وتعلّق المشانق للشبان، (ضربت الرقم القياسي في تنفيذ إعدامات بعضها أو كثيرها لأطفال لم يتجاوزوا الرابعة عشرة). ففي الوقت الذي تمارس إسرائيل إرهابها على الفلسطينيين، فإيران تمارس إرهابها على شعبها، وعلى الشعوب العربية، وتُساهم مع مرتزقتها الموجودين في سوريا، في تهجير ملايين السوريين، من أجل تحقيق «هلالها» المزعوم.

 

لكن أحلام الامبراطورية الفارسية بدأت تتبدّد، ونرجسيتها المتبجّحة بدأت تخيب. وها هي اليوم مطوقة بأزمات من الداخل ومن الخارج. وها هي تتهيأ للخروج من سوريا، وأكثرية الشعب العراقي يطالبها بالخروج من العراق، والمعارك بين حوثييها والشرعية، تميل إلى الأخيرة. أي نهاية قوس الهلال؛ تناقص دورها الإقليمي؟ أسئلة ترجح ذلك، لكن المسألة طويلة ووعرة، لأن إيران، وهي في نزعاتها الأخيرة، تهرب إلى الأمام. فما زال عندها مَن يحارب عنها. وما زال فيروس الإرهاب متمكناً منها.. وما زالت لا تصدق أنها في سبيل أن تعود إلى حجمها الطبيعي.

 

المهم أن يكمل العرب معركتهم معها حتى النهاية.

 

فالتاريخ يحمل دائماً مفاجآته!