اشرأبّتْ دولة الملالي وعلى رأسها مرشدها «الأكبر» (الأخ الأكبر في رواية أورويل 1984) واستشاطت كراهية وعبثاَ وغضباً بعد حادثة منى والتدافع بين الحجاج، الذي أسفر عن سقوط نحو 900 قتيل. استشاطت واستفزت واستنفرت «ارهابها» الإعلامي وزغاليله في لبنان وفي أفواه الممانعين المرتزقة من صحافة مأجورة واعلام من حبر الخوارج، وأصوات مضرجة بدماء العرب من السعودية إلى اليمن والبحرين والعراق وسوريا… وصولاً إلى لبنان. والسؤال: لماذا تجاوزت هذه الدولة الارهابية كل الاعتبارات الانسانية في تعاطيها مع حادثة منى؟ انها حادثة! ليس أكثر شبيهة بالكوارث الطبيعية وليست مرتبطة لا بالسياسة ولا بالنفوذ ولا بالصراع الطائفي أو الأيديولوجي، أو المحلي، أو العالمي. لكن كل هذا خارج حسابات الارهاب الفارسي. فالحادثة وقعت في السعودية وفي الأماكن الدينية الجامعة، (لا الفئوية) ومن ثمرة المصادفات وتزاحم الحجاج (مليونان من الحجيج) واثناء الصلاة وتأدية مناسك الحج. إذاً ماذا؟ لا شيء معقولاً ولا منطقياَ ولا سياسياً ولا اختيارياً ولا استنسابياً: 900 قضوا ينتسبون إلى عدة بلدان عربية واعجمية وآسيوية… وإيرانية.
«فلنعالج المسألة»: قالوا بنفاقنا الساطع المعهود ونحن من «أئمة» النفاق و»الشقاق» والعنف والقتل والاغتيالات. فاذا نافقنا شعبنا الذي ثار علينا وقمعناه، فلماذا لا ننافق في مسألة وقعت في السعودية. فهدفنا الأثيري ما زال في سبيله إلى تدمير كل ما هو قائم في العالم العربي». والذكاء عند «المرشد» غير الراشد يعبّر عن ذكاء اصطناعي، آلي. مبرمج قد يتفوق على كل ذكاء طبيعي حتى بات صفة لازبة وصنعة راجحة». هذا ديدبان المرشد الأكبر، مرشد «الحقيقة» و»الحق» والصواب….ومن عند لَدُنه، توزعت الأدوار على «عملائه» في لبنان وسواه: «فلنعتبر كمؤمنين ومقتنعين بأن هذه الحادثة ليست مجرد حادثة. ليست عجزاً ولا إدارياً ولا تقصيراً أمنياً فقط، بل أكثر من حادثة انها قضية سياسية». وها هو حزب الله موزع هذه الأقوال وعلى رأسه مرشده المحلي والاقليمي المطيع طاعة لا مثيل لها، لاملاءات سيده. حفظ الدرس جيداً كما حفظه عندما حمل الشباب اللبناني وساقهم إلى الجحيم السوري. ملبياً «تكليفياً» مذهبياً، ورفع عقيرته، وحوّل الحادثة «حدثاً سياسياً« دبرته السعودية كلها بدولتها وأجهزتها، وحكامها وأطبائها واسعافها. كلهم شريك مستريب في حدوث ذلك. عن قصد وعمد. وأفلت الحزب زغاليله. فلا أسف على الضحايا. ولا ترحم. ولا شفقة (فكيف للمشاعر الاصطناعية ان يكون لها احساس انساني؟). وبدلاً من مدّ يد المساعدة إلى السعودية، كما تفعل كل الدول والشعوب المحترمة، ها هو يحول المسألة تهمة ومؤامرة! وتوّج خامنئي كراهيته «بتهديد السعودية برد قاس» لأنها خططت ونفذت هذه المجزرة الجماعية بحق ايران وها هي شاشات التلفزيون ومانشيتات صحف «الكانتونات» المذهبية تشتعل وتتهجم في جوقة موزونة على المملكة متجاوزة ما جرى إلى المناحي السياسية وحتى إلى مواقف السعودية السياسية في اليمن، والبحرين ولبنان وسوريا. يعني علاقة السعودية بما يجري في هذه البلدان وربطها بكارثة منى. نعم! هناك علاقة بين سلوك السعودية في البلدان العربية وحادثة منى. فهذه الأخيرة مؤامرة. والتدافع مفتعل لاستهداف الحجاج الإيرانيين دون سواهم بين مليونين من الحجيج. وعلى هذا الأساس نظمت المخابرات الإيرانية تظاهرات في طهران وسواها لإدانة موقف السعودية (تحظر كل أشكال التظاهرات المعارضة بالنار والقمع) لكن أي موقف؟ وهل الحادثة باتت «موقفاً»؟
[ .. والزلازل
إذا لم لا تكون الزلازل التي أصابت مناطق في ايران مؤامرة إيرانية؟ ولماذا لا تكون السيول الجارفة والأعاصير في العالم مؤامرة؟ ولكي يشدد نظام النفاق على عنصر المؤامرة، ساق المتظاهرين إلى مبنى السفارة السعودية في طهران إدانة واحتجاجاً؟ علامَ؟ أهنالك عملية خطف؟ لا! أهنالك عملية قتل مقصودة؟ أهنالك تصويب على بعض الحجيج الإيرانيين دون سواه؟ وهل كان الضحايا إيرانيين فقط؟ أكان هنالك سعوديون؟ نعم! ربما كانوا من المعارضة! أكان هناك حجاج خليجيون نعم! ومصريون! نعم! وآسيويون نعم! من أطراف العالم في اعداد الضحايا؟ نعمّ إذاً ها هنا بالذات المؤامرة . كيف؟ سقط ضحايا من كل هذه البلدان بمؤامرة محبوكة. لماذا؟ لكي تغطي السعودية استهدافها الإيرانيين. إذاً مؤامرة مكتملة؟ نعم! وجريمة موصوفة وخطة مدبرة بدقة وضعتها الأجهزة السعودية! وحدها إيران مستهدفة. ووحدها اعتبرت أن من قضوا شهداء عند ربهم يرزقون!
كل هذه المناخات الابتزازية ، التافهة، لا تعبر سوى عن المستويات السفلية التي وصلت إليها عقول الإيرانيين وحزبهم «الأثيري» في لبنان.
[ المشاركة
ولكي يصلحوا الأمور ويبعدوا كل مؤامرة مقبلة فها هو السيد حسن نصراالله، ربيب المرشد والحرس الثوري يطالب (باسم من؟) بالمشاركة بإدارة مكة باعتبار أنه قادر على هذه المهمة إزاء عجز المملكة ومؤامراتها. حزب الله يطالب بالشراكة، وهو يقصد إيران. وهو يقصد أن إيران أملت عليه قول ما لا تريد أن تقوله. لكن باسم من يتكلم السيد حسن نصرالله؟ باسم باكستان؟ نعم! باسم مصر؟ نعم! باسم نيجيريا؟ نعم! باسم أفغانستان؟ نعم! باسم البحرين؟ نعم! الكويت؟ نعم! الإمارات العربية؟ نعم! باسم مسلمي أوروبا؟ نعم! مسلمي آسيا؟ نعم! الله! أمين عام ميليشيا يتكلم باسم مليار مسلم في العالم فما أعظم شأنه، ونباهته، وتواضعه: صار رئيس ميليشيا في أمة، وأمة في رئيس ميليشيا.
[ التضخم النرجسي
وهنا لا نعجب من هذه «الميغالومانيا» (والنرجسية) والتضخم الذاتي، عندما نتذكر أن السيد حسن نصرالله يقوم مقام الدول بالمفاوضات، ورسم حدود الآخرين، ومصائرهم، وطريقة عيشهم، وتهجيرهم، وقتلهم، وصولاً إلى أطفال في الرابعة عشرة زجهم في الحرب السورية دفاعاً عن «مقام السيدة زينب»!! فهو القدير بلا قدرة، والمفتي بلا فتوى، والمنتصر بغيره عندما يعتبر الانتصار انتصاره، والمحرر بلا «تحرير»، والمقاوم الذي بات بلا مقاومة، والممانع بلا ممانعة… مع هذا، فهو متمتعاً بقوى خفية سرية ملكوتية هرقلية يستعير ما يستعير من أسباب قوته ليكون المنقذ، أو البطل! ولهذا نجده مسؤولاً بلا مسؤولية، وثائراً بلا ثورة.
[ من «الأقصى» إلى مكة
ولأنه على هذه الصفات الربوبية يتنطح الحزب لترشيح نفسه للمشاركة في إدارة الأمكنة المقدسة في السعودية، لكن قديمة! فإذا صحّت في تعامل نظام إيران مع الملالي وما يمثلون من «قيم» مقدسة، بقوة القمع، والبطش، فهي لا تصح طبعاً في بلاد أخرى. وإذا صحّت مع الكيان الصهيوني في تنطحه لإمساك مفاتيح الأقصى، بانتهاكه، واحتلاله، فهي لا تصح في بلاد أخرى. فالمطالبة «بمفاتيح» الأمكنة المقدسة السعودية، ليشارك الحزب في إدارتها درءاً للمؤامرات السعودية، اقتبس هذا الجنون من العقلية الصهيونية. وها هو الأقصى مسرح للمعارك بين المتطرفين اليهود والمناضلين الفلسطينيين الذين يدافعون عن وجودهم! غريب! ما أقرب اقتباسات الحزب من الممارسات الإسرائيلية. لكن هناك «مقابسات» أخرى، ومصادر إلهام أخرى، تعلمها الحزب النجيب من جنون النظام السوري، الذي أراد أن يكون شريكاً في السلطة في لبنان، أو مهيمناً عليها وشريكاً في القضية الفلسطينية لكي يخربها لمصلحة إسرائيل. وكذلك في العراق، واليمن. فمسألة «المشاركة» عنده باتت وسواساً ينخر عقله. ومطالبته بالمشاركة في إدارة الأماكن المقدسة في السعودية، والمعالم الدينية، كمشاركته في الحكومة اللبنانية: أي لتعطليها، وتدمير السلطة اللبنانية. أو مشاركته في الحوار لنسفه. أو مشاركته في مجلس النواب لإلغائه. أو استدراجه الجيش لمعاركه لتقيسمه. ومشاركته الحروب في سوريا لتجزئة سوريا، وتدميرها، وإلحاق بقاياها في أيدي إيران. وهنا بيت القصيد، والمخطط المذهبي باسم السماء، والعنصري باسم الأمة. وها هو بوتين يوافي إيران في استراتيجيته الهذيانية «الاوراسية المفترضة«. يغزو القرم ليحقق الديموقراطية! ويقتل ألوف الشيشان ليثبت العدالة، ويشن عدواناً على جورجيا لنشر الاستقرار، ويعمم القمع في روسيا لازدهارها الاقتصادي، ثم لإعادتها إلى واجهة «التاريخ»، ثم لمقارعة الغرب، ثم ليحتل موقع القطب… المنافس لأميركا. وكلها مهمات تستثير الحس القومي الساذج المحلي وتجعل من هذا المجرم بطلاً. أوليس هذا ما فعله خامنئي في إيران لتصدير ثورته وتبديد ثروة بلاده. (فما أقربه إلى جنون القذافي عندما أراد تصدير «تعاليم» الكتاب الأخضر إلى العالم كله، وصولاً إلى إفريقيا وإيرلندا… وفرنسا!). جنون العظمة؟ أكثر: عظمة الجنون! فكل شيء «جاهز» عند إيران لتدمير كل شيء حولها، خصوصاً العالم العربي والإسلامي الأكثري. وإذا دارت دورة الملالي على لبنان، وسوريا، والبحرين، واليمن، والعراق، فها هم يصوّبون اليوم على السعودية، كأكبر المراكز الإسلامية والعربية تأثيراً وقوة. وعندما نتابع إعلامها، عبر زغاليلها في لبنان وسواه، نعرف مدى الإصرار على جعل السعودية مكاناً غير مستقر: استدراجها لحروب داخلية وخارجية، بث الفتنة المذهبية في نسيج شعبها، بغية إشعال حرب أهلية، فيها. السعودية اليوم هي «محج» مؤامرات خامنئي… كما كل منطقة في الخليج. فالعالم العربي اليوم، معظمه مُشتت، ومدمّر، ومُخرّب، ومشلّع، فلماذا استثناء السعودية من ذلك، باعتبارها الحلقة الأقوى. فإذا نجحت إسرائيل وأميركا بوش وأوباما في تفكيك العراق، وسوريا، وليبيا، فلمَ لا يصح ذلك في السعودية، وعندها يفرط العقد الإسلامي العربي كله، ويستريحون من العرب والعروبة والسعودية وتاريخهم، ووجودهم، وحضورهم، وثقافتهم، ولغتهم العربية، ونهضتهم.
فالمستهدف اليوم هي السعودية (مع سواها)، سواء بحادثة منى أو بغيرها. وقد تم برمجة حملة إعلامية زائفة تشيع كل يوم أخبار تفكك السلطة في السعودية، وقرب انهيارها. أو اختلاق صراعات في مراكز القوى، من دون أن ننسى الاعتداءات الإيرانية عبر عملائها الحوثيين على حدود المملكة، وكذلك التفجيرات الإرهابية ضد جيشها، وضد المدنيين: فدولة الملالي إرهابية ضد شعبها، وضد كل ما هو إسلامي أكثري وعربي. هنا بيت القصيد. وهذا ليس بخاف على أحد. فحزب الله في لبنان، من مهماته «الأممية» المذهبية، أن يلبي طلبات أوليائه، بتنفيذ المؤامرات، وإشعال الفتن، وتحطيم الدولة، ونهبها، وسرقتها، ونشر المخدرات في بيئته (كأنما لا تكفي مخدرات شعاراته وأكاذيبه التضليلية).
[ الهلال الصهيوني
فالتصويب على السعودية حلقة من الحلقات، وها هي تستعر اليوم، لأن الإيرانيين شعروا وخبروا وعرفوا أن «مشروع هلالهم الصهيوني»، قد انكسر. ضربه الربيع العربي، وهزائمهم في اليمن، وتراجعهم في سوريا، ورد مؤامراتهم في البحرين، وعزلتهم في العراق… وبلبلتهم في لبنان.
فلو أن إيران نجحت في سوريا في البداية دفاعاً عن الأسد، بأدواتها «حزب الله« والحرس الثوري والعبقري المهزوم سليماني، لما استحضرت داعش لنصرتها على «الجيش الحر». وعندما منيت بهذا الفشل المثلث: هي + داعش + النظام، ها هي وبعد ما تكبدته من خسائر، تستنجد بروسيا، فتلبيها، بعدما استنجدت بإسرائيل وأوباما. كل هذه الدول الإرهابية لم تستطع قهر الثورة السورية. وتشريف بوتين بجيوشه وسلاحه وطائراته، ليس إلا نسخة «رسمية» عن «داعش«. وكما ساعدت إيران ونظامها السوري، «داعش» كعنوان للإرهاب، وهو حليفها، فبوتين الذي يمول الدولة الإسلامية الإرهابية وغيرها بالسلاح كما أشار العديد من الإعلام العالمي ها هو يأتي تحت شعار محاربة «داعش«، وباكورة قصفه قبل أيام لم تصوب على «داعش« بل على «الجيش الحر«. تماماً كما فعل «حزب الله«: رفيق «داعش« في ضرب «الجيش الحر«!
فإيران المنكوبة بمشروعها الصهيوني «الهلالي»، تبحث عن كل الطرق، لتسجل تقدماً لتستمر في تحضير مؤامراتها في جذور الأمة الإسلامية العربية. لكن عبثاً! فحزبها منكوب مثلها، وصار لاعباً ثانوياً في سوريا، يتمترس في المناطق المتاخمة للبنان، الزبداني وسواه! وبشارها رهين الحبسين القصر والرعب. وروسيا… تتولى ما فشلت فيه إيران: جعل سوريا ورقة في تفاوضها مع الغرب لفك الحصار الاقتصادي عنها!
لكن، برغم من ذلك، فإيران مستمرة في بقايا مشروعها وإذا عجزت عن السيطرة، فلتعوض بالتخريب!
تراجعت إيران في مشروعها التوسعي في العالم العربي، إلى مجرد عصابة تخريب وتدمير…!
فيا لهذه الإمبراطورية العظمى!