Site icon IMLebanon

هنا دولة “حزب الله”!

 

يتوسع النفوذ الإيراني، ليحصد المزيد من مناطق السيطرة والنفوذ المترامية عبر أذرعته المتحركة عن بعد، من سوريا إلى اليمن إلى العراق وصولاً إلى لبنان، وهنا بيت القصيد… هنا دولة “حزب الله”!

 

لا شيء يشي في لبنان انه جمهورية أو دولة ومؤسسات، فهو يعيش على إيقاع “حزب الله”، الذي يبث أفكاره ويبسط سطوته ويوسع نفوذه على معظم أرجاء البلاد عبر حلفاء باعوا أنفسهم علّهم يفلحون ويغلبون، فيما العالمان العربي والغربي يتفرجان، بعد ان ضجرا من السياسيين اللبنانيين وألاعيبهم المدمرة ضد شعبهم.

 

فالإنهيار المبرمج ليس صدفة أو أملته الظروف المتعاكسة، إنما هو نهج حكم جائر مستقوٍ، جرّ لبنان عن سابق اصرار وتصميم الى القعر، وتركه يتخبط حتى يلفظ العباد انفاسهم الأخيرة، ليعلن “حزب الله” دولته بحكم الواقع ويصوّر نفسه المنقذ، وهو الذي يعجز عن سد رمق بيئته، وسط حكومته المستقيلة المتباكية، التي لا تجيد سوى “تصريف الأحزان”!

 

لم يعد خافياً على أي متابع أن لبنان ليس في سلم الاهتمامات الدولية ولا العربية، وهذا ما يمكن استخلاصه من مواقف معظم الدول التي طالما ابدت اهتماماً في عقود ومحطات مضت بهذه الدولة ولأسباب متنوعة، وما يعزّز هذا الاتجاه، اولاً، تزاحم القضايا الدولية والاقليمية ولا سيما الشرق الأوسط، التي تجعل من لبنان في الدرجة الدنيا من الاهتمام، فلبنان ليس في أولويات الادارة الاميركية الجديدة ولا في سلّم اولويات خليجية، ولا اوروبا في موقع المنهمك في الشأن اللبناني، أمّا ايران فيكفيها ان الصواريخ وولاء “حزب الله” بخير. وثانياً، جائحة كورونا التي تشغل العالم، وتفرض اولويات صحيّة واقتصادية واجراءات مالية جديدة، داخل كل دولة ولا سيما تلك المقتدرة والكبرى.

 

انطلاقاً من ذلك، يمكن فهم سلوك المنظومة الحاكمة التي تدير ظهرها للانهيار الداخلي، لاعتقادها أن لا خوف على دورها ونفوذها واستمرارها، طالما ان الخارج لا يضع بقاءها في السلطة هدفاً للتغيير، او أنّه مهتم ببقائها أو رحيلها، طالما أن هذه المنظومة التي يديرها “حزب الله” ويتحكم بها استراتيجياً، لا تخلّ بقواعد اللعبة، سواء في جنوب لبنان أو في الميدان السوري، وسوى ذلك ممّا يهدّد المصالح الدولية والأميركية على وجه التحديد.

 

وفي هذا السياق، تشير مصادر دبلوماسية غربية في بيروت، الى أنّ لبنان يتجه الى “مزيد من التدهور المالي والاقتصادي والسياسي”، وهذه حقيقة واقعية ونتيجة موضوعية للسياسات الحكومية التي “لا تولي اهتماماً بوقف التدهور، ولا سعياً ملموساً لتشكيل حكومة تستطيع ان تلجم الانهيار”.

 

تجزم المصادر بان “التزام لبنان بموجبات صندوق النقد الدولي وشروط الخروج من الأزمة، هو السبيل الوحيد المتاح للخروج من الأزمة او لجمها”. وإذ أكدت ان هذه “الحتمية ستتحقق ولو آجلاً”، لفتت الى انه “ما يتغير هو ان التأخر في ذلك سيرفع الكلفة على اللبنانيين مالياً واقتصادياً وسيادياً، بحيث ان لبنان سيكون في حينه عاجزاً عن تحسين شروط التفاوض، وأكثر طواعية لشروط الدائنين”.

 

من هنا يدرك “حزب الله” ان اي مقاربة لمعالجة الأزمة تتطلب “نزوله عن ظهر الدولة” وانخراطه في الحياة السياسية والاقتصادية والتنموية، بعيداً من السلاح الذي يفاقم الأزمة ولا يعالجها او يخفف من آثارها، وهذه الاشكالية المتصلة بسلاحه، لا يبدو انها قابلة للحل من دون ان تؤدي الى مزيد من انهيار الدولة، والتخلي عنها سيؤدي بالضرورة الى تحول “حزب الله” الى حزب كبقية الاحزاب اللبنانية وهذا ما يعني نهايته، اذ لا يمكن لـ”حزب الله” ان يبقى ويستمر من دون سلاح وجهاز أمني مسيطر ومتحكم بمفاصل أساسية في المجتمع والمؤسسات، وفي المقابل لا يمكن للدولة ان تستمر في ظل وضعية تكون فيها اداة او شريان دعم لدور “حزب الله” ونفوذه.

 

ما يمكن رؤيته بوضوح ان الأزمة تتدحرج ككرة الثلج، وان الدولة لم تعد شيئاً يمكن تمييزه عملياً عن الدويلة، وشراء الوقت لن يحول دون مواجهة الاستحقاقات القاتلة، فالدولة اليوم هي “حزب الله” والأخير هو الدولة، وعليه ان يقرّر كيف ينقذ اللبنانيين من الفقر والعوز والجوع، وكيف سيلجم انهيار العملة الوطنية، وما البديل الموضوعي والمقنع لخيار الحياد والمؤتمر الدولي، الذي طرحته بكركي؟

 

كعادته لن يستطيع “حزب الله” مقاربة التحديات الا بمنظور أمني وباتهامات التآمر وبذهنية فئوية، لا ترتقي الى رؤية الدولة، وبالتالي ستبرز مجدداً الاداة الامنية كوسيلة ردّ على التحديات الاقتصادية والمعيشية، طالما ان الترغيب يفتقد مقوماته، علماً ان رسائل التهديد لم تعد مجدية، قد تحقق شراء بعض الوقت، وتسكت بعض الاصوات الى حين، ولكن لن توفر القدرة على منع انفجار الناس في بيئته وخارجها في وجهه هذه المرة، بعدما رسخ في اذهان اللبنانيين والمنتفضين انه هو من يدير ويتحكم الى حدّ بعيد بالمنظومة السلطوية الحاكمة.