ليست إيران في أفضل أحوالها. المشاكل الداخلية تتناسل احتجاجات على الانهيار الاقتصادي والتضخم واضمحلال قيمة العملة. الاصطدامات الأمنية تتوالى في مناطق بلوشستان على الحدود مع باكستان، وفي المناطق الغربية على حدود كردستان العراق، وفي الجنوب الغربي حيث تعيش مناطق عربستان توترات توجها الهجوم الأخير على استعراض للحرس الثوري…
في خلفية هذا المشهد يهتف إيرانيون ضد حكامهم: اخرجوا من سورية… اخرجوا من لبنان. حولوا الأموال التي تنفقوها على منظماتكم في الخارج إلى الشعب الإيراني، وترد السلطة على كل ذلك بخطاب مكرور ضد المؤمرات الأميركية البريطانية الإسرائيلية وتضرب الأكراد الإيرانيين وتوجه صواريخ محملة بالشتائم ضد العرب والاستكبار عبر أجواء العراق إلى أنحاء نهر الفرات لتعلن، وحدها، أنها قضت على عشرات الإرهابيين الذين «تحميهم أميركا» في الشرق السوري.
قد تعتبر أنواع الردود هذه، في استهدافها الإيرانيين المعترضين في العاصمة والمناطق الإيرانية الأخرى شأناً إيرانياً داخلياً، لكن اختيار شرق الفرات لتجربة الصواريخ الإيرانية يتعدى خطوط المتعارف عليه في سلوكيات الدول. وأصدقاء الحكم الإيراني كشفوا المقصود عندما أسهبوا في الحديث عن استهداف لأميركا، عبر الزعم أن موقع «داعش» يقع ضمن نطاق السيطرة الأميركية، وعلى بعد 4 كيلومترات من نقطة للجيش الأميركي. ويمكن أن يكون ذلك صحيحاً في مقياس النوايا، فإيران تريد أن تقول شيئاً لواشنطن، وهو ما حاولته في القذائف التي تم إطلاقها على المنطقة الخضراء في بغداد ومحيط القنصلية الأميركية في البصرة وجعل الأميركيين يسحبون ديبلوماسييهم منها ويحملون إيران المسؤولية عن أي أذى يلحق بهم. ولدى إيران أيضاً ما تريد قوله لآخرين ليس في العراق وحده، بل في سورية وفي كل مكان تتعرض فيه «استثماراتها الميليشياوية» لخطر ما. إنها تتعرض للخطر في سورية ليس فقط بسبب الملاحقة الجوية الإسرائيلية، بل أساساً بسبب الرفض الشعبي السوري، ولأن كل مشاريع الحلول المطروحة تلحظ الخروج الإيراني من هذا البلد.
وما زالت الهتافات ضد إيران في البصرة وبغداد حية، وعلى رغم السعي الحثيث للمجيء بأعوان إيران على رأس الحكم في بغداد، يصعب تصنيف برهم صالح كتابع، أو عادل عبد المهدي خريج جامعات الغرب، ذو التجربة البعثية فالشيوعية ثم الشيعية، كشخصية من مدرسة نوري المالكي. الخلاصة أن سلطات إيران التي تنتظر المزيد من الحصار خلال الأيام والأسابيع المقبلة ستزداد شراسة وضيقاً، في الداخل والخارج. ومن هنا نفهم كيف سارع ممثلوها في لبنان إلى الضغط لمنع لقاء لبناني يناقش «الوصاية الإيرانية على لبنان»، من دون أن يعني ذلك أننا نفهم تخلي السلطات اللبنانية عن دورها في حماية الحريات العامة وحق الاجتماع والتعبير تحت سقف القانون. إن الذين منعوا لقاء لبنانياً تحت العنوان المذكور هم أنفسهم من ينظمون المهرجانات لشتم قادة ودول عربية، وهم أيضاً من يعقد المؤتمرات لتنظيم الثورات والانقلابات ولدعم ميليشيات تنتشر من الفيليبين إلى نيجيريا، ويحولون المناسبات الإيرانية إلى أعياد وطنية فاخرة. إنه الضيق الإيراني… لكن ليس على لبنان التنفيس عنه، وبهذه الوسائل.