كشفت الغارة الإسرائيلية التي حصدت، داخل الأراضي السورية وعلى بعد كيلومترات قليلة من حدود الدولة العبرية، جنرالاً إيرانياً رفيعاً وستة من قادة «حزب الله» الميدانيين، مساعي ايران لتغيير قواعد الاشتباك على خط الهدنة مع اسرائيل. والهدف استخدام الجولان، غب الطلب، منصة ضد اسرائيل كما كان عليه جنوب لبنان قبل العام 2006 حين فرضت بنود القرار الدولي 1701 عملياً خروجه من معادلة مماثلة.
وتدل معطيات متقاطعة على أن إيران سعت وجندت «حزب الله» معها لتغيير قواعد الاشتباك التي فرضها القرار الدولي 242 والتي أبقت جبهة الجولان هادئة تماماً على مدى عقود. فهي تسعى، وفق سياسي لبناني سيادي، الى دراسة مواقع منصات صواريخ واحتمالات حفر أنفاق، إذا لم تكن قد بدأت بها، وهو ما تعرفه إسرائيل بالتأكيد إما عبر رصدها من مرصد جبل الشيخ أو عبر عملاء لها تم مؤخرا كشف واحد من كبارهم هو محمد شوربة.
فالجمهورية الإسلامية الإيرانية تريد تعزيز أوراق قوتها، خصوصاً كلما اقتربت نهاية المهلة المعطاة للتفاوض على ملفها النووي، ومن أبرز هذه الأوراق نظام بشار الأسد يُضاف اليه إمساكها بأمن المناطق المحاذية لإسرائيل.
وبالتالي لا يتوقع المصدر تدهور الأوضاع باعتبار ما جرى «مجرد تبادل رسائل في الاتجاهين».
فإسرائيل اختارت بدقة توقيت عمليتها لتستفيد من الموجة الدولية العارمة ضد الإرهاب بعد عملية «شارلي ايبدو«، كما أنها تحتاط للأجواء التفاؤلية التي توحي بقرب توصل طهران الى اتفاق مع الغرب على ملفها النووي. ومن غير المستبعد أن يسعى بنيامين نتنياهو الى توظيف ضربته في إطار العملية الانتخابية التي ستجري في آذار المقبل.
فقد كشفت الغارة عملياً تواجد إيران و«حزب الله» الميداني قرب حدود إسرائيل، وتلى ذلك تأكيدهما وحدة جبهة المقاومة لإسرائيل. فقد نفى الأمين العام لـ»حزب الله« حسن نصر الله قبل أقل من 48 ساعة تواجد عناصره في الجولان لكنه فتح في مقابلة متلفزة باب الرد على الغارات الإسرائيلية إذا استهدفت سوريا، رغم أن غارات مماثلة طاولت محيط دمشق سابقاً وقضت إحداها منذ عامين في أواخر كانون الثاني 2013 على العميد الإيراني حسن الشاطري الذي شارك في تشييعه القائد العام للحرس الثوري العميد محمد علي جعفري وقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني.
وبعد الغارة اتهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني إسرائيل باستغلال الإرهاب المتواجد في هذه المنطقة لإقامة منطقة عازلة على حدودها، لكأن هذه المنطقة لم تكن هادئة على الدوام منذ عقود بفضل التزام النظام السوري قرار الهدنة، وعمله خلال عقود على «مقاومة» إسرائيل من جنوب لبنان، إضافة الى كل ما أشيع سابقاً عن تعاون الدولة العبرية مع جبهة «النصرة« المتواجدة في الجولان. ولا يستبعد المصدر أن تكون إيران قد تخطت رغبات بشار الأسد حين أرادت تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل.
كذلك، ورغم امتناع «حزب الله» عن إعلان أي موقف عملي، ارتفعت أصوات إيرانية مسؤولة تهدد إسرائيل بـ»رد مدمر» وبأن انتقام «حزب الله» سيكون «قاسياً«. لكن ثمة استحالة عملية حالياً للرد. فأي رد سواء من الأراضي اللبنانية أو حتى من الأراضي السورية قد يفتح حمم إسرائيل على لبنان بما يزيد عزلة «حزب الله» ويهدد أحزمة الأمان المحلية من حكومة وحوار، خصوصاً وسط اعتبار نصف اللبنانيين على الأقل تورطه في القتال الى جانب الأسد قد استدرج المتطرفين الى الداخل وتساؤلهم عما إذا كان بردّه سيستدرج إسرائيل مجدداً.