كانت الولايات المتحدة تعتقد أن رؤساء المؤسسات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية شركاء للولي الفقيه آية الله علي خامنئي في السلطة، وذلك رغم معرفتها أن صلاحياته الدستورية تجعل منه صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في بلاده. من هنا كان رهانها في السابق على حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهورية لولايتين متعاقبتين لإدخال إصلاحات على النظام الإسلامي ولبدء حوار أميركي – إيراني يليه انفراج. ومن هنا أيضاً كان يأسها من إمكان بدء حوار جدي مع إيران في أثناء الولايتين الرئاسيتين لمحمود أحمدي نجاد الذي بالغ في عدائه لها ولحلفائها في المنطقة. لكن فشل الرهان على الأول واليأس من الثاني، جعلها تعيد النظر في تقويمها لأوضاع الجمهورية الإسلامية ومكّنها من تصويب معرفتها للمواقع والأحجام داخلها. علماً أنه كان على أميركا أن تعرف بعد تعاونها العملاني العسكري مع إيران في أفغانستان بعد 11 أيلول 2001، وبعد تعاونها السياسي غير المباشر في العراق في أثناء التمهيد لغزوه عسكرياً، كان عليها أن تعرف أن تلاقي المصالح هو الذي فرض التعاون وليس رئيس الجمهورية في الحاليْن، وأن التلاقي لم يكن إشارة إلى استعداد طهران للانخراط في حوار حول القضايا الخلافية معها. طبعاً لا يصدِّق الكثير من المتابعين للعلاقة الأميركية – الإيرانية جهل المسؤولين في واشنطن طبيعة النظام الإيراني، ويعتبرون أن تركيزهم على أسماء ومواقع معينة فيه كانت مقصودة لأسباب متنوعة. وأياً تكن حقيقة ذلك فان أميركيين مطلعين جداً ومن قرب على تعاطي “إدارتهم” مع إيران يؤكدون أن واشنطن صارت مقتنعة بأن خامنئي هو وحده الحاكم، وينطلقون من ذلك للإشارة إلى الآتي:
1 – الرجل القوي في العراق وفي سوريا ومع “حزب الله” اللبناني وفي فلسطين كان الحاج قاسم سليماني. واستمدّ قوته من ثقة الولي الفقيه به ومن إنجازاته على مدى سنوات. لكنه أخطأ في العراق عندما اعتبر أن المؤسسات القائمة فيه ومنها الجيش قادرة على مواجهة كل التحديات الصعبة، وعندما لم يرَ أن إهمال القوات السنّية التي نظمّها الأميركيون قبل انسحابهم في جيش سمّوه “الصحوة” بعد نجاحها في ضرب تنظيم “القاعدة” خطأ كبير ستكون له انعكاسات سلبية خطيرة، وكذلك عندما لم يضغط على نوري المالكي رئيس الحكومة آنذاك لإدخالها المؤسسات الأمنية وللاستمرار في دفع رواتبها. ولعل خطأه الكبير كان تمسّكه بالمالكي قبل الانتخابات النيابية الأخيرة ودعمه له بكل الوسائل كي يربحها، وممانعته تنحّيه عن السلطة، ومحاولته إقناع الفاعليات الشيعية العراقية السياسية والدينية بإبقائه فيها خلافاً للدستور. كل هذه الأخطاء أدركها الولي الفقيه خامنئي، فأزاح سليماني عن المسؤولية الأولى عن الجهات الاقليمية المشار إليها أعلاه مع إبقائه بمسؤوليات محدّدة لم يتمّ الكشف عنها، وعيَّن مكانه الأميرال شمخاني الذي باشر مهمته بلقاء الفاعليات المذكورة أعلاه، وبإدراكه أن الإصرار على المالكي مؤذٍ للعراق ولإيران ودورها فيه. فاتخذ بعد موافقة خامنئي قرار إزاحته. ولا يعني ذلك أن شمخاني من الحمائم وسليماني من الصقور. فالأول يده حديد مثل الثاني ولكن بقفاز من حرير.
2 – يعتبر الأميركيون أن سياسة الأميرال شمخاني تقضي بالانفتاح على المملكة العربية السعودية بكل إمكاناته وذلك تنفيذاً لإرشادات الولي الفقيه. وأن دوره لم يكن قليلاً في تشجيع الحوار بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” في لبنان رغم علمه أنه لن يسفر حالياً عن نتائج حاسمة في القضايا الخلافية الكثيرة بينهما. والهدف من ذلك هو إعداد الأجواء لحوار سعودي – إيراني في الوقت المناسب، وهو سيكون على الأرجح بعد تفاهم أميركا والمجتمع الدولي مع إيران على إقفال الملف النووي للأخيرة بطريقة مقبولة من الجميع، أي تخفيف الاحتقان السنّي – الشيعي في لبنان الناجم عن الحرب السياسية وربما غير السياسية التي يخوضها الطرفان الأقوى فيه بالنيابة عن الرياض وطهران. ويعني ذلك أن الحوار اللبناني ليس حواراً سعودياً – إيرانياً رغم رغبة جهات لبنانية في الاقتناع بذلك. لكن الأميركيين يعرفون أن السعودية لا تزال ترفض الحوار مع إيران، على الأقل في المرحلة الراهنة ربما لاعتقادها أنها لا تزال في موقع أضعف من “غريمتها” أو منافستها. ولهذا طلب الإيرانيون من أميركا مساعدتهم على فتح الحوار. إلا أن ذلك يرتبط باتفاقها النهائي معهم على الملف النووي. وهو لم يتم بعد رغم أن الإشارات مشجعة.