إنها فقط مسألة وقت، فلا يَظنّـنَ أحد ان نظام الملالي يستطيع أن يصمد الى أبد الآبدين، وكل من يتصوّر ذلك مخطئ والعبرة من التاريخ.
فمَن لا يعرف التاريخ لا يستطيع أن ينجح في النظر الى المستقبل…
بكل صراحة نظام شاه إيران كانت أميركا تعتبره الحليف الرقم واحد بالنسبة إليها. بل أكثر من ذلك، كانت أميركا تعتبر ان إيران هي خط الدفاع الأوّل عنها ضد الاتحاد السوڤياتي، لذلك رأينا كيف كانت أهم الاسلحة الاميركية تُعطى أولاً لإيران، من أحدث الطائرات F.16 و F.15 والفانتوم الى الصواريخ قصيرة وطويلة المدى، الى الدبابات المتطوّرة. وكانت إيران قد حصلت على مصنعين لتجميع السيارات: واحد لشركة رينو ينتج سنوياً مليون سيارة، والثاني لشركة بيجو ينتج أيضاً مليون سيارة.
كانت طهران من أهم العواصم المتطوّرة والحديثة، وكانت شوارعها تزدان بالبهجة والجمال والتطوّر والرقي. فيها أرقى الجامعات وأهم المستشفيات وأفخم الفنادق العالمية وأهم المدارس، وأفخر المطاعم المميّزة والمشهورة.
وكانت ايران مركزاً لتصدير الكافيار والفستق الحلبي وجميع أنواع المكسرات، وتشتهر بالسجاد العجمي حيث تبلغ سعر السجادة الواحدة منه 3 ملايين دولار، طبعاً لا تنسوا التنباك العجمي الأصيل.
وكُنت إذا عزمت على قضاء اسبوع سياحي في طهران عليك أن تحجز قبل 3 أشهر على الأقل. كانت العملة الايرانية قوية، فكل 3 تومان كانت تساوي دولاراً أميركياً واحداً.
أين ذهبت كل هذه الخيرات؟ بل أين ذهبت الأيام الجميلة والبحبوحة التي كان يعيشها الشعب الايراني؟ كل هذا تبخّر في مؤامرة كونية على الشعب الايراني بدأتها أميركا الدولة المتحكمة، إذ بدأت تخاف من الشاه، وتخاف من تطوّر ايران على الصعيد العسكري حيث كان عندها أهم اسطول طيران، فصار الجيش الايراني من أكبر وأهم الجيوش في المنطقة حتى تطرّق الخوف الى الاتحاد السوڤياتي من قوة الجيش الايراني.
في تلك اللحظة قرّرت أميركا أن تقضي على الشاه.. فلجأت الى تحضير مؤامرة دينية اختارت لها آية الله الخميني، الذي كان يعيش في النجف هارباً من الشاه وخائفاً، فأخذته الى باريس وبدأت رحلة التحضير للانقلاب.
بدأت الثورة أو الأصح المؤامرة، حيث كان الشاه يعاني من مرض عضال، والتظاهرات الشعبية كانت تطالب ببعض المطالب الشعبية البسيطة التي كان يمكن تلبيتها… لكن المؤامرة استغلت مرض الشاه حيث جعلته يتخذ القرارات الخاطئة وبدل معالجة المطالب بالحوار، استعمل العنف و»السافاك» والعصا الغليظة، والأهم التنكيل والسجن والقتل. بالضبط كما يحصل اليوم ومنذ 3 أو 4 أشهر أي منذ مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني التي قتلت بحجة تخليها عن الحجاب.
وهكذا بدأت الثورة الجديدة ضد نظام الملالي.. بدأت الأحداث تتطوّر وبدأت حملة الاعتقالات والإعدامات.
فكيف تطوّرت الأحداث، وما كان أهم مسلسل الاعدامات في إيران؟
بدأت الأحداث بمقتل الشابة مهسا أميني بعد اعتقالها من قِبَل شرطة الأخلاق بتهمة ارتدائها «ملابس غير لائقة» وادعت الشرطة أنّ أميني تعرّضت لنوبة قلبية، إلاّ ان عائلتها نفت ذلك، واتهمت الأمن بتعذيبها حتى الموت.
وقتل ما لا يقل عن مائة وخمسين شخصاً على الأقل منذ 16 أيلول في الاحتجاجات، كما لقي ما لا يقل عن مائة شخص مصرعهم أيضاً في اشتباكات منفصلة في زاهدان عاصمة إقليم سيستان بلوشستان.
كما أعلنت منظمة العفو الدولية أسفها لمقتل 23 طفلاً على الأقل بأيدي قوات الأمن الايرانية. واتهم المرشد الأعلى أعداء البلاد بما في ذلك أميركا وإسرائيل بدعم المتظاهرين.
الى ذلك، قالت منظمة حقوقية للإنسان إنّ السلطات الايرانية نفّذت أحكام إعدام بحق ثلاث نساء بتهمة «خدش الحياء» ورمي الحجاب. كما أعدمت السلطات 32 شخصاً إيرانياً من المتظاهرين خلال أسبوع. وحكمت بالإعدام على رضا أكبري بتهمة التجسّس لصالح بريطانيا. كما فجّر إعدام المتظاهر الايراني محسن شيكاري في 8 كانون الاول غضباً دولياً واسعاً ضد النظام الايراني.
ووصل الغضب الايراني الى الرياضيين بالحكم بالإعدام على أمير نصر أزاداني اللاعب السابق في فريق دراكور لكرة القدم، وأهم من ذلك كله إعدام المصارع الايراني نويد أفكاري.
ورغم كل هذه التطوّرات وما حدث من مضاعفات، يدّعي النظام الايراني بأنّ التظاهرات ليست احتجاجاً على أوضاع اقتصادية، بل هي مؤامرة نسجت خيوطها أميركا وإسرائيل والخونة الايرانيون المعارضون في الخارج.
ورغم ان الاعدامات في ايران تزداد يومياً وسط إدانات دولية، حيث بدأت الادانات تنتقل من دولة في أوروبا الى دولة أخرى، فإنّ العجيب الغريب ان النظام يوهم الناس ان المتظاهرين هم زُمَر من الخونة الذين انتفضوا لأسباب غير أخلاقية ولا اقتصادية.
وهنا نتساءل: هل الوضع الاقتصادي في ايران سليم؟ وهل يعيش الايرانيون في بحبوحة كما كانوا أيام الشاه؟ وهل العملة الايرانية بخير؟
الوضع المعيشي أصبح صعباً جداً، حيث هناك 50 مليون مواطن ايراني يتلقون مساعدة شهرية، عبارة عن 20 يورو لكل مواطن، وصار سعر صرف التومان كارثياً، فالدولار يعادل 45 ألف تومان.
باختصار الثورة هي ثورة جوع حقيقية، والشعب لن يهدأ ولن يستكين إلاّ بسقوط هذا النظام الجائر الذي بدّد أموال الدولة على مشاريع طائفية فاشلة لن يكتب لها النجاح مهما سرق القائمون على النظام من أموال النفط العراقي، ومهما سرقوا من أموال الشعب الايراني.
خلاصة القول: الثورة الحالية ضد نظام إيران ستستمر… فالشعب الذي أسقط شاه إيران قادر بالتأكيد على إسقاط نظام الملالي.