تحتفل إيران هذه الأيام بمرور 40 عاماً على ثورة الملالي بوصول الخميني بطائرته قادماً من منفاه في باريس. من يتذكر تلك اللحظات التاريخية والملايين المستقبلة له في المطار في ذلك اليوم لا يشك أنها كانت لحظة خلاص للشعب الإيراني من الظلم والقهر، لكن هل كانت هي بالفعل كذلك؟ الشعب الإيراني ودول الجوار خُدع بتلك الشعارات والوعود التي أسس لها رجال الدين ومعهم البازار، والتي تتلخص في نصرة المظلومين والعدل والحرية. نعم، هذه شعارات براقة وخادعة وأثبت الواقع أنها كاذبة من وصول الملالي للحكم هناك في 1979.
الشعوب في منطقتنا تنجرف مع التغيير الذي قد يصل إلى حد العنف، اعتقاداً بالخلاص والانعتاق، والتجارب أثبتت فشل ذلك، فالعواطف والشعارات كما يقال «لا تؤكل خبزاً أو تبني مدرسة»، إيران ما قبل الثورة الخمينية هي بالأكيد لم تكن جنة وشهدت قلاقل وظلماً اجتماعياً مهّد الطريق لرجال الدين لاستغلال تلك الظروف والأوضاع لتصوير أنفسهم أنهم هم المخلّص للشعب الإيراني، رجال الدين وفي كل دول العالم هم خطر على السياسة والشعوب، إن حكموا فهم يصلون إلى مرحلة يعتقدون أن من يخالفهم هو ضد الله وكافر ويدعون عدم تقديس الفرد الحاكم، وها نحن نشاهد حالة من التقديس والخلط بين الرجل السياسي المعمم وبين الدين نفسه.
رجال ثورة الملالي كانوا بارعين في تسويق خطابهم السياسي بالداخل وفي المنطقة بأنهم يقفون مع الشعوب وقضاياه العادلة، والحقيقة أن النظام الإيراني يفعل كل شيء إلا نصرة قضايا الشعوب العربية والإسلامية، هو في صميمه نظام توسّعي مبني على مشروع قومي أداته الدين يدغدغ فيه المشاعر للبسطاء والسذج منذ أول يوم له في الحكم، وهذا يفسّر خطابه المناصر للقضية الفلسطينية، وهذا خطاب إعلامي فقط، أما على أرض الواقع فإن إيران أنشأت ودعمت التنظيمات الإسلامية الفلسطينية التي تدين بالولاء لإيران وليس لشعبها وقضيتها الوطنية الفلسطينية، فنحن نشهد الانقسام الفلسطيني الآن من قبل التنظيمات الإسلامية الفلسطينية التابعة لإيران ضد الحركات الوطنية التاريخية الفلسطينية، وكيف تحولت قضية غزة إلى قضية أهم من أصل القضية الفلسطينية وحقوق شعبها منذ الأيام الأولى للثورة الإيرانية، الكل يتذكر كيف تخلص الملالي من جميع التيارات الوطنية الإيرانية التي أسهمت وناضلت بالثورة ومنها حزب «توده» الشيوعي الإيراني، وكيف تخلصوا من قدرات عسكرية في مؤسسات الجيش الإيراني.
لقد لعب النظام الإيراني على وتر الأقليات والمرجعيات المذهبية في كسب الولاء للأقليات في منطقتنا العربية، وبدأنا نسمع بمفهوم تصدير الثورة الإيرانية والذي لا يزال حاضراً في سياسة النظام الإيراني حتى اليوم. لا أدّعي أن دول الجوار هي جنات من الديموقراطية والحرية، ولكن إيران بعد 40 عاماً هل أصبحت كذلك؟
أعتقد أننا في العالم العربي أخطأنا منذ البداية في تحديد العدو والخطر القادم علينا من الشرق، فالشعب الإيراني هو ضحية ومسلوب الإرادة، وها هو اليوم يعاني من قضايا اقتصادية واجتماعية خطرة، ويخرج في احتجاجات ضد النظام تقابل بالقمع والبطش، ومن يقرأ أو يشاهد أفلاماً وثائقية عما يحدث في المعتقلات الإيرانية لا يصدق أن هذا يجري في دولة تدّعي نصرة المظلومين في العالم، كم سوقت إيران ونجحت، وللأسف تعتقد بعض النخب العربية بأنها نظام ديموقراطي يجري فيه انتخابات وتغيير رؤساء وبرلمان، ولكنها في الحقيقة لا تخرج عن خط ديني واحد متفق مع شمولية فكر الخميني والمتجسدة في نظام ولاية الفقيه، كم كان تناقض النظام الإيراني واضحاً في ما يدّعيه، خاصة في «هبة» ما يسمى بالربيع العربي، فقد ادعى وقفته مع شعوب تلك الدول وناصرها سياسياً وإعلامياً، ولكن عندما اندلعت الثورة الشعبية في سورية انكشف زيفه وكذبه ووقف إلى جانب الجلاد وشارك في قتل الضحية، وللأسف ما زال البعض يراه مناصراً لقضايانا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.