Site icon IMLebanon

الاحواز كشفت أزمة النظام الإيراني

 

 

تعيش ايران في الوقت الحاضر ازمة نظام لا اكثر ولا اقلّ. فمع توسّع الانتفاضة الشعبيّة التي بدأت في الاحواز، يتبيّن ان هناك نظاما عاجزا عن تلبية مطالب شعب بكامله يعاني من الفقر والجوع. كذلك، يتبيّن انّ انتفاضة اهل الاحواز التي بدأت قبل أسبوعين، ليست مجرّد حدث عابر، على الرغم من صعوبة التكهّن بما ستسفر عنه في المدى المنظور. لكنّ اللافت انّ ما حدث في الاحواز كان شرارة امتدت الى مناطق ومدن إيرانية أخرى حيث الإيرانيون من أصول تركيّة مثل الآذريين (الآذريون من الشعوب التركيّة)… او كردية.

 

لم ينفع القمع الذي لجأ اليه النظام الإيراني منذ اللحظة الأولى في خنق الانتفاضة الاحوازية. على العكس من ذلك، كشف القمع عمق الازمة التي يعاني منها نظام جعل الاحوازيين محرومين من مياه الشفة ومن تلك التي تستخدم لريّ حقولهم. ليس معروفا بعد كيف يمكن لنظام ما حرمان منطقة في بلد يحكمه من مياه الأنهر التي تمرّ فيها وإيجاد حجج لتحويل مياه هذه الأنهر!

 

ظهر بوضوح، من خلال ما حصل ولا يزال يحصل في الاحواز، ان ايران تعيش حاليا ازمة نظام. ليس معروفا كم ستدوم هذه الازمة التي لا يمكن الّا ان تنتهي بسقوط النظام الذي قام في العام 1979، بعد اشهر قليلة من رحيل الشاه محمّد رضا بهلوي في شباط – فبراير من تلك السنة.

 

يشبه ما تمرّ فيه ايران حاليا ما مرّ به الاتحاد السوفياتي طوال سنوات سبقت انهياره رسميّا مطلع العام 1992. كان الاقتصاد وراء انهيار الاتحاد السوفياتي الذي لم يستطع تقديم نموذج صالح للتصدير. لم يكن لدى الاتحاد السوفياتي ما يصدّره سوى السلاح والشعارات ودعم الديكتاتوريات في كلّ انحاء العالم لاثبات انّه قوّة عظمى. ليس لدى ايران ما تصدّره سوى ميليشياتها المنتشرة في المنطقة والتي لم تأتِ سوى بالدمار والخراب لكلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن… وغزّة التي عانت بدورها من صادرات ايران!

 

ظهرت بوادر الانهيار السوفياتي ابتداء من العام 1982 بعد سنوات من “الجمود” في عهد ليونيد بريجنيف. حاول يوري اندروبوف الذي خلف بريجنيف في موقع الأمين العام للحزب الشيوعي انقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنّ الحظ لم يحالفه إذ توفي في العام 1984 ليخلفه شخص مريض آخر هو قسطنطين تشيرنينكو الذي لم يصمد سوى سنة واحدة. خلف ميخائيل غورباتشوف، وكان بين اصغر أعضاء المكتب السياسي سنّا تشيرنينكو. ادرك انّه امام نظام غير قابل للإصلاح على الرغم من كل المحاولات التي بذلها. كشف انفجار مفاعل تشيرنوبيل النووي في 1986  أنّ الاتحاد السوفياتي قوة تمتلك كلّ أنواع الصواريخ والقنابل النوويّة، لكنّها لا تستطيع صيانة مفاعل نووي في داخل أراضيها.

 

المفارقة انّ ايران تمتلك كلّ أنواع الميليشيات وتفاوض اميركا في شأن ملفّها النووي، وتدّعي السيطرة على اربع عواصم عربيّة، هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، لكنّها لا تستطيع، او لا تريد، إيصال المياه الى منطقة الاحواز التي سكانها من العرب والتي كانت حتّى العام 1925 إمارة عربيّة مستقلّة.

 

يقول المنطق انّ ليس في وسع النظام الإيراني سوى الانتقال من فشل الى آخر. المعادلة في غاية البساطة. في نهاية المطاف، لا يستطيع بلد يعيش اكثر من نصف شعبه تحت خطّ الفقر لعب أدوار تفوق حجمه.

 

كان كافيا فرض إدارة دونالد ترامب عقوبات على “الجمهوريّة الاسلاميّة” كي يبتيّن كم ان اقتصادها هشّ. ما يعيشه اهل الاحواز ليس سوى جزء من المأساة الإيرانية التي يختزلها نظام يعتقد انّ الهرب الى خارج حدوده وتحقيق انتصارات على العراق والعراقيين وسوريا والسوريين ولبنان واللبنانيين واليمن واليمنيين سيجعل منه قادرا على الحصول على اعتراف دولي، اميركي تحديدا، بانّه قوّة إقليمية مهيمنة لا مفرّ من الوقوف على خاطرها والانصياع لشروطها.

 

عاجلا ام آجلا، سيترتب على النظام في ايران التصالح مع الواقع ومع انّ ايران التي يبلغ عدد سكانها ما يزيد بقليل على ثمانين مليونا ليست سوى دولة من دول العالم الثالث. معنى ذلك ان ايران تحتاج قبل كلّ شيء الى التصالح مع نفسها بدل متابعة الهروب الى امام… الى خارج حدودها. من شروط تحقيق هذه المصالحة الاهتمام بشؤون الإيرانيين ورفاههم بدل توظيف إمكانات كبيرة من اجل انقاذ نظام سوري يشنّ حربا على شعبه…

 

ليس اكيدا، في مرحلة فرض فيها “المرشد” علي خامنئي رئيسا متشدّدا للجمهوريّة من نوع إبراهيم رئيسي هل في استطاعة ايران القيام بالمراجعة المطلوبة التي تفرض اوّل ما تفرض مراجعة للذات. المشكلة انّ ليس في “الجمهوريّة الاسلاميّة” من يمتلك الشجاعة الكافية ليسأل ماذا تفعل ايران في العراق وسوريا ولبنان واليمن… وغزّة، ولماذا لا مياه شفة او مياه لريّ المزروعات في الاحواز وغير الاحواز؟

 

إنّها ازمة نظام في ايران. السؤال كم من السنوات سيستمرّ هذا النظام قبل سقوطه؟ قد يكون السؤال الأهم كم من الاضرار سيخلف النظام في المنطقة العربية قبل هذا السقوط الذي في أساسه الاقتصاد اوّلا وأخيرا؟