IMLebanon

إيران «تنتفض» للأقليات في المنطقة وتضطهدها في مهاباد

هي ليست المرة الأولى التي تعاني الاقليات في إيران القمع والاضطهاد. لكن المواجهة التي يخوضها النظام الايراني اليوم مع الاكراد وعرب الاحواز وغيرهما من القوميات غير الفارسية، تتزامن مع محاولات ايران الحثيثة لتقديم نفسها على انها «حامي الاقليات» في المنطقة! 

قد يرى محور «الممانعة» في احداث مهاباد والاحواز وغيرهما «مؤامرة على النظام الاسلامي»، كما وصفها مسؤولون ايرانيون، الا ان الاحتجاجات التي تشهدها معظم المحافظات والمدن الايرانية، وسط تعتيم اعلامي لافت، يوحي بالكثير. فبالتزامن مع حراك الاكراد الذي تفجّر على خلفية تعرض شابة كردية تدعى فريناز خسرواني لمحاولة اغتصاب، ما دفعها الى الانتحار، كان عشرات آلاف المعلمين والتربويين في طهران وأصفهان وقمّ وبوشهر وشيراز وتبريز وزنجان وهمدان وقزوين وشهركرد وسبزورا ودامغان وساري وكرمانشاه وبابل واردبيل وكتوند وغيرها من المدن على مساحة ايران، يتظاهرون احتجاجا على الاوضاع المعيشية الصعبة. ايضاً، اعلن السجناء السياسيون في سجن كوهردشت بمدينة كرج الاضراب عن الطعام دعماً للمعلمين والعمال والمسجونين. 

وفيما وصف السيّد علي خامنئي هذه الاحتجاجات بـ»مؤامرة من الاعداء والحاقدين»، أكدت المعارِضة الايرانية مريم رجوي، أن «الديكتاتورية الدينية الفاسدة والمجرمة، وتبديد ثروات الشعب الايراني في القمع وتصدير الارهاب والتطرف، هي مصدر جميع المشاكل في ايران». 

لا بأس. سيجد جمهور الممانعة من يقنعه بأن مريم رجوي والمعارضة الايرانية والاكراد وعرب الاحواز والبلوش، جميعهم متآمرون على النظام الايراني الذي سعى جاهداً في السنوات الاخيرة إلى التسويق لنظرية واحدة :»نحن حماة الاقليات وحقوق الشعوب في المنطقة».

بُنِيَ خطاب «محور الممانعة» في السنوات القليلة الماضية على ركيزتين: «محاربة الارهاب وحماية الاقليات». وسرعان ما تم دمج هاتين الركيزتين، المكمّلتين لبعضهما بعضاً، لإنتاج خطاب «محاربة الارهاب لحماية الاقليات». هكذا وحّد «حزب الله« والايرانيون ونظام دمشق خطابهم، وتوجّهوا الى الغرب، عبر ماكينة اعلامية ضخمة، لإقناع الرأي العام الغربي بضرورة مكافحة الارهاب، المتمثّل بالمعارضة السورية والعشائر العراقية، جنباً الى جنب مع الرئيس «العلماني» بشار الاسد وحكومة المالكي. عبّر الاسد مراراً عن قلقه على مصير المسيحيين. ولكسب تعاطفهم، عيّن داود راجحة (مسيحي) في 8 حزيران 2011 وزيرا للدفاع خلفاً للعماد علي حبيب (علوي). وفي مؤتمر «جينيف2»، جلس رجل دين مسيحي خلف مقعد وليد المعلّم في الجلسة الافتتاحية، في محاولة من النظام لإيصال رسالة الى الغرب ومفادها انه هو الحامي الوحيد للاقليات في سوريا. وصرخت بثينة شعبان يومها مخاطبة الغرب:» ألستم مسيحيين؟ نحن ندافع عن الوجود المسيحي في الشرق»! كل ذلك تزامن مع الترويج لصورة مقاتل في «حزب الله« يؤدي التحية لتمثال السيّدة مريم العذراء في يبرود.

لكن الواقع مغاير لما يروّج له إعلام الممانعة. فالنظام السوري الذي دخل لبنان عام 1976 لـ»حماية المسيحيين» من «الخطر الفلسطيني»، ونكّل بالمسيحيين الذين عارضوا وجوده آنذاك، هو نفسه النظام الذي اعتقل وعذّب وقتل العشرات من ناشطي «الثورة» المسيحيين بتهمة «الدفاع عن الارهابيين» (المحامي خليل معتوق-بسام غيث-باسل شحادة-حسام ميخائيل-الاب باسيليوس نصار عهد طربوش-حاتم حنا وغيرهم كثر). كما نشرت الشبكة السورية لحقوق الانسان تقريرا عن استهداف النظام السوري لثلثي عدد الكنائس التي تعرّضت للقصف والاعتداء، عدا الكنائس التي استخدمها النظام كمراكز عسكرية لقصف مناطق واحياء المسلمين بهدف احداث فتنة.هذا بالاضافة الى تخوين راهبات معلولا في الاعلام السوري (قناة سنا والاخبارية السورية) بعد رفضهم، خلال اتمام عملية التبادل مع الخاطفين، الحديث ولو بكلمة تسيء الى المجموعات المسلحة او بعبارة شكر للنظام.

كذبة «حماية الاقليات» في سوريا تنطبق ايضاً على كافة دول محور «الممانعة» في الاقليم، ومنها لبنان وايران. ففي لبنان، عمد «حزب الله« الذي اكد على لسان مسؤوليه انه «لولا الحزب لهجّر المسيحيون وسبيت النساء»، الى قطع رأس الرئاسة الاولى من خلال مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة. وفي ايران، تواجه السلطات احتجاجات الاكراد وعرب الاحواز بالاعتقال والاعدامات (بحجة التآمر طبعاً). تقول غولتن كشاناك، رئيسة بلدية مدينة آمد: «إن السلطات الايرانية تعدم الشباب الكرد، بمجرد محاولتهم التحدث بلغتهم».

صحيح ان الدستور الايراني نصّ في بعض مواده ومنها المواد (3) و(19) و(20) على تأمين الحريات المشروعة والمساواة ورفع التمييز، الا ان هذه الحقوق بقيت حبرا على ورق. فعلى الايرانيين، بكافة مذاهبهم وطوائفهم وأعراقهم، القبول بمبدأ ولاية الفقيه، بالاضافة الى ضرورة الالتزام بجميع القوانين والمقررات الاسلامية المنصوص عنها في المادة الرابعة من الدستور، والتأكيد على تعميم اللغة الفارسية والكتابة بها فقط. كما ان اي نشاط دعائي لسائر الاديان يعتبر مخالفة صريحة للمذهب الرسمي (الشيعي الاثني عشري) مما يشكل حرما يعاقب عليه القانون. واضافة الى كل ذلك، حُرِمَت الاقليات الدينية في ايران من تبوّؤ الكثير من المناصب القضائية والسياسية والرئاسية.

لا شك ان محور «الممانعة» الذي يدّعي حماية الاقليات في المنطقة، هو نفسه من يبطش بها غير آبه بحريتها وبحقوقها الدينية والمدنية، وبكل القوانين الدولية الداعية الى احترام حقوق الانسان، عندما تتعارض مصالح هذه الاقليات مع توجهات هذا المحور.