تجاوزت إيران في الوقت الحالي كمية اليورانيوم المنخفض التخصيب التي استطاعت تخزينها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة، أو ما يطلق عليه الاتفاق النووي الإيراني. وأعلن وزير خارجيتها جواد ظريف أنها سوف تبدأ قريباً في رفع مستوى تخصيب اليورانيوم فوق نسبة 3.67 في المائة المسموح بها في الاتفاق. كما تستمر الاعتداءات التي يشنها العملاء الشيعة بانتظام متزايد ضد شركاء أميركا في المنطقة؛ حيث تعرضت السعودية لهجمات صاروخية ودرون على يد الحوثيين ضد منشآت ضخ نفطية ومطارات مدنية. ووقعت كذلك أعمال تخريبية ضد سفن، والتي إن توقفت لفترة، يجب ألا نفترض أنها انتهت.
ما الذي يحدث؟ ببساطة، تتبع القيادة الإيرانية طريقتها في ممارسة أقصى ضغط، رداً على سياسة «أقصى الضغوط» التي تمارسها إدارة ترمب. على الأرجح يهدف أقصى ضغط إيراني إلى تحقيق عدة أمور؛ أولاً، أن توضح إيران للرئيس ترمب أن الضغط يمكن أن يمارسه الطرفان، وأن إيران لديها عدة خيارات لتطبيق ضغوطها على نحو يمكن معه نفي المسؤولية عنه ضد مصالح أميركا وأصدقائها في المنطقة. ثانياً، رفع أسعار النفط، لأن الرئيس أبدى حساسية تجاه ذلك، وأيضاً لأن إيران ترغب في تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح، نظراً لقدرتها المحدودة على التصدير. ثالثاً، إعطاء أصدقاء أميركا وشركائها سبباً لحثّ الإدارة على تخفيف الضغوط.
وفيما يخص النقطة الأخيرة الخاصة بحثّ أميركا على تخفيف الضغط، تجدر الإشارة إلى خطاب ألقاه المرشد الأعلى علي خامنئي في 29 مايو (أيار)، قال فيه إن أميركا تسعى إلى الضغط على الجمهورية الإسلامية لكي تدخل في مفاوضات وهي في حالة ضعف. وأعلن أن إيران لن تستسلم للضغوط، وبدلاً من ذلك سوف تستخدم «نفوذها» الخاص. لقد شاهدنا دلائل النفوذ الإيراني في هجمات العملاء، وعمليات التخريب التي ينفون مسؤوليتهم عنها، والآن نرى انتهاك الاتفاق النووي، ذلك الانتهاك الذي قد يقلص ببطء زمن الاختراق الإيراني مرة أخرى.
قد يقول الرئيس ترمب إن الإيرانيين «يلعبون بالنار»، ولكن في الوقت الراهن، يبدو أنهم لا يصدقون ذلك. المفارقة أن كلا الطرفين قد يعتبر ضغوطه القصوى مقدمة لمفاوضات من النوع الذي سيشهد تعزيز موقفه وإضعاف موقف الآخر. وبالتأكيد تكمن الخطورة في إساءة التقدير.
في هذه المرحلة، من الصعب الاستنتاج بأن الإيرانيين يصدقون بأن إدارة ترمب لن تتحرك عسكرياً ضدها إلا إذا قُتلت قوات أميركية على يد الإيرانيين مباشرة. بالفعل وقعت هجمات صاروخية عن طريق عملائها في العراق حيث توجد قوات أميركية؛ ولحسن الحظ لم يتعرض أحد لأذى. ما الذي كان سيحدث إذا تعرضوا لأذى؟ هل تعتقد إيران أنها ما دامت تستطيع نفي ارتكابها لأي شيء – فيما يشبه الألغام الملتصقة بهياكل السفن – فلن تتخذ الولايات المتحدة رد فعل؟ لست واثقاً من أنهم يجب أن يصدقوا ذلك، ولكني أشك في أنهم يدركونه.
المسألة المطروحة أمام الإدارة هي كيف توضح أن إيران تخاطر بإساءة تقدير ما سوف تفعله الولايات المتحدة. المشكلة في التصريحات العلنية الكبيرة هي أنه بمجرد التصريح بها يجب اتخاذ إجراء أو خسارة المصداقية. كان جون بولتون قد أعلن في 5 مايو الماضي أننا سنرسل مجموعة حاملة طائرات إلى الخليج لأن لدينا معلومات استخباراتية بأن الإيرانيين يستعدون لشن هجمات ضد قوات أميركية وضد حلفائنا. وأعلن أننا سوف نستخدم «قوة شديدة» إذا تعرضت قواتنا أو مصالحنا أو أصدقاؤنا لتهديد. ومنذ ذلك الحين، وقعت هجمات ضد 6 سفن، وتعرضت منشآت سعودية لضربات من عملاء إيران، وكذلك أصابت هجمات صاروخية مشابهة قواعد عراقية ومنشأة نفطية تستخدمها شركة «إكسون»، وأُسقطت طائرة درون أميركية.
ليس لديّ شك في أن مستشار الأمن القومي جون بولتون كان يقصد ما صرح به. ولكن الرئيس لا يريد الوقوع في «حرب أخرى لا تنتهي في الشرق الأوسط». هذا شعور يمكن فهمه، ولكن عندما تتسع الفجوة بين التصريحات والأفعال، تُضعِف كلاً من المصداقية والردع.
وفي مفارقة أخرى؛ إذا أُضعف الردع، ستزداد احتمالية نشوب حرب. وهناك عدة أمور تستطيع الإدارة أن تفعلها لاستعادة قوة الردع. في البداية، يجب أن تجعل من الأصعب على الإيرانيين أن يظنوا أن بإمكانهم الاستمرار في تنفيذ اعتداءات يمكنهم إنكارها دون تحميلهم مسؤوليتها علناً. وبعيداً عن الشرق الأوسط، لم يكن هناك من يستعد لتحميل إيران مسؤولية الاعتداءات التي وقعت ضد السفن سوى البريطانيين والألمان (وإن كان متأخراً). لذا يجب البحث عما يجعل آخرين يُحمِّلون إيران المسؤولية. كما يجب تشكيل قوة بحرية متعددة الجنسيات لإظهار وجود تحالف دولي مستعد لحماية السفن من مثل تلك الاعتداءات. وكلما ضَعُفت قدرة إيران على نفي مسؤوليتها عن الاعتداءات وعلى الإفلات من العقاب، انخفضت احتمالات وقوع مثل تلك الاعتداءات.
ثانياً، طالما أن الإدارة ليست لديها خطوط اتصال خاصة مباشرة مع الإيرانيين، والتي كانت ستسمح بنقل الأمور بوضوح شديد، سيكون عليها الاعتماد على آخرين. تكمن المشكلة في أنه إذا استعانت الإدارة بالعُمانيين أو السويسريين أو العراقيين أو آخرين لتوصيل الرسائل، سوف تخاطر بأن يصوغ كل وسيط الرسالة. لذا من الأفضل الاستعانة بمرسال واحد فحسب، وأن يكون مرسالاً يتعامل معه الإيرانيون على محمل الجد. وبالنظر إلى أن الرئيس يملك قدراً من الثقة في فلاديمير بوتين، لماذا لا يستعين بالروس في توصيل الرسالة بأن الإيرانيين يوشكون على استفزاز رد فعل عسكري خطير من ترمب. بالطبع يجب أن يصدق بوتين هذا الأمر في الوقت الحالي، يصدق أن الولايات المتحدة سوف تتخذ إجراءً عسكرياً إذا استمرت هذه الاعتداءات. ولا يمانع بوتين تصاعد التوترات – ولا سيما إذا رفعت أسعار النفط – ولكنه لا يرغب في أن تُستخدم القوة الأميركية لتشكيل ما يحدث في المنطقة. ولن يلقى تحذير بوتين تجاهلاً من طهران.
هل يمكن أن تؤدي خطوات أخرى إلى الحد من خطورة إساءة التقدير واستعادة قوة الردع؟ نعم، ولكن أي إجراءات عسكرية – حتى المحدودة منها – تخاطر بالدخول في دائرة تصعيد «العين بالعين» التي يرغب ترمب في تجنبها بوضوح. ومع ذلك إذا لم تفعل إدارة ترمب المزيد لإقناع المرشد الأعلى بالمخاطر التي تحوم حولها إيران، فسيكون هذا هو السيناريو الذي قد نواجهه.
– خاص بـ {الشرق الأوسط}