المستشرق الروسي أوليغ غوشين قال لصحيفة «سفوبودنايا بريسا» الروسية (27 تموز- يوليو، الماضي) :» ربما تعرض روسيا على إيران أنبوباً عبر العراق وسورية إلى البحر الأبيض المتوسط. لا يهم ما إذا كان أنبوب غاز أم نفط ، كلاهما مغر جداً لطهران». غوشين كان يجيب عن سؤال حول ثمن إخراج إيران من سورية بمقتضى التفاهمات الروسية الإسرائيلية والموقف الأميركي الضاغط من أجل «تعديل السلوك الإيراني» وفق آخر الاجتهادات الصادرة عن إدارة ترامب.
حتى الآن الاستجابة الإيرانية للطلب الروسي الإسرائيلي تحققت ابتعاداً لمسافة 85 كيلومتراً عن حدود الجولان. كان الحديث يدور على مئة كيلومتر، إلا أن المبعوث الروسي لافرينتيف تحدث عن مسافة 85 كلم، ولم يفصح عن تفاصيل أخرى تتضمنها التفاهمات التي بدأت في هلسنكي ونشطت بين موسكو وتل أبيب، وإن كان بعضها خرج إلى العلن عبر تصريحات وتحليلات روسية وإسرائيلية، وفيها أن القوات الإيرانية أُبعدت عن المطارات ومقرات القيادة التابعة للجيش السوري، وأن إسرائيل متمسكة بـ «حقها» بقصف المواقع الإيرانية الخاصة بالصواريخ، تصنيعاً وتحريكاً، في الوقت الذي ترتئيه.
في المقابل تبدو الدولة الصهيونية، التي سيتم القضاء عليها قريباً بمقتضى الخطاب الإيراني، شديدة الارتياح لما تم إنجازه. فوزير دفاعها أفيغدور ليبرمان يتوقع أن تصبح حدود الجولان أهدأ مع عودة «الحكم المركزي للرئيس بشار الأسد»، ويشرح: «من منظورنا فإن الوضع يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب الأهلية، مما يعني أن هناك جهة يمكن مخاطبتها وشخصاً مسؤولاً وحكماً مركزياً».
ينكأ كلام ليبرمان جراحاً لبنانية خصوصاً، وعربية عموماً، عندما يعيد التذكير بحفظ نظام الأسد الأب والابن لأمن إسرائيل منذ 1974، فيما كان يشرّع أرض لبنان أمام الفوضى والعدوان الإسرائيلي ويجلب إليها شتى أنواع الميليشيات من الحرس الإيراني إلى الجيش الأحمر الياباني مروراً ببادر ماينهوف وعبدالله أوجلان… ويبتزّ العرب من المحيط إلى الخليج بذريعة أنهم لا يساهمون في المعركة القومية ضد العدو الغاصب.
عادت الأمور إلى طبيعتها في الجولان، النظام الذي جاءت إيران لحمايته يتعهد الحفاظ على أمن إسرائيل مقابل استمراره بشخص الأسد «المسؤول الذي يمكن مخاطبته»، بعدها يمكن إيران أن تعلن انتصارها في حماية رمز المقاومة وسينضم إليها الأتباع في موجات تحليلية متتالية: كان الهدف إسقاط محور الممانعة فمنعناهم … في تكرار للمعزوفة «الوطنية» التي سادت بعد هزيمة حرب 1967، التي بررت الفجيعة بالقول إن الهدف كان إسقاط» الأنظمة التقدمية» في سورية ومصر وتم منع ذلك.
قد لا تكون حاجة بعد الآن لضرب إيران في سورية، فهي منتصرة ببقاء الأسد، وإسرائيل كذلك. وإذا عدّلت سلوكها، كما يقول الأميركيون، وهي تعدّله في واقع الأمر، فلا حاجة لخروجها من هذا البلد. عندها يفترض أن يبحث قادة طهران الجدوى … بين البقاء أو استبداله بالأنبوب الروسي.