إعلان الحكومتين السورية والإيرانية يوم السبت الماضي عن توقيع اتفاق اقتصادي طويل الأمد، لمساعدة البلدين في الالتفاف على العقوبات الأميركية والدولية، أثار سخرية المراقبين السياسيين والخبراء الاقتصاديين لسببين:
أولاً، لأن أي محاولة للالتفاف على مروحة العقوبات المفروضة على إيران، عبر البوابة الخلفية، أي شرفة إعادة إعمار سوريا، ستؤدي فوراً إلى عرقلة المشاريع الدولية المهتمة بإعادة الإعمار. وثانياً، لأن الرساميل والشركات الدولية القادرة على إعادة الإعمار تحاذر الوقوع طبعاً تحت طائلة هذه العقوبات!
ليس خافياً على أحد أن برنامج العقوبات الأميركي، الذي استجابت له حتى الصين عندما خفّضت مشترياتها من النفط الإيراني، لن يكون من السهل تجاوزه أو الالتفاف عليه، عندما يطال المصارف والشركات والمسؤولين الكبار ورجال الأعمال، وأي عمليات تجري بهدف فتح حسابات متبادلة أو اعتمادات مصرفية مشتركة بين البلدين، ولهذا عندما يتحدث الوزير الإيراني محمد إسلامي عن «أهمية التعاون بين مصرف سوريا المركزي والبنك المركزي الإسلامي»، فإنه يرفع سيف العقوبات فوق عنق أي عملية لإعادة الإعمار تمر عبر المصرف المركزي السوري!
كذلك ليس خافياً على الإدارة الأميركية أن «الحرس الثوري الإيراني» يراهن على أن انخراط الشركات الإيرانية في عملية إعادة الإعمار، يمثّل مخرجاً لتخطي آثار العقوبات الأميركية الخانقة، لهذا يبدو كلام وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل، عن أن الاتفاق الذي تم توقيعه سيتيح فرصة كبيرة للشركات الإيرانية لتكون حاضرة في مجال الاستثمارات السورية، مجرّد لياقة سورية حيال إيران، لكنه في الواقع قد يرتدّ عرقلة خانقة لعملية إعادة الإعمار عندما تبدأ!
يرى بعض الخبراء أن الاتفاق الاقتصادي بين سوريا وإيران، ينطوي ضمناً على مراهنة إيرانية، هدفها خلق تناقضات عميقة بين الدول التي ترغب في الحصول على حصة من عملية إعادة الإعمار، التي تقدّر الأمم المتحدة أنها ستكلّف بين 400 و500 مليار دولار على مدى عشر سنوات، عبر المراهنة على أن العقوبات الأميركية ستحرمها من الحصول على هذه الحصة، وهو ما حاولت الدول الأوروبية أن تلتفّ عليه سابقاً، لكنها عجزت من منطلق أن مصالح شركاتها مع الدورة الاقتصادية الأميركية الضخمة التي تبلغ قيمتها 19 تريليون دولار، لا تقارَن بالاستثمارات الإيرانية والسورية مجتمعة وهي لن تصل إلى تريليون دولار!
الاتفاق الاقتصادي بين دمشق وطهران يبقى مجرد نقطة في بحر الاستئثار الروسي الواضح بالجبنة السورية، لأنه من الواضح أن الكلمة الأولى ستبقى لروسيا التي رغم تعاونها مع الإيرانيين والأتراك في آستانة وسوتشي، ورغم الحديث عن دور الدول الثلاث الضامنة، فإنها لن ترضى بأقلّ من حصة الأسد في كعكة تعمير سوريا، ولهذا لن يكون مستغرباً لو أنها أيّدت ضمناً أن تعرقل العقوبات أي شهوة إيرانية بقضم الجبنة السورية!
ربما لهذا تحديداً تحدثت الأنباء قبل أسابيع قليلة عن أن فلاديمير بوتين يجسّ نبض طهران حيال أفكار روسيّة تقوم على مقايضة هدفها إقناع دونالد ترمب بتخفيف العقوبات على إيران في مقابل انسحابها من سوريا، لكن من المثير أن المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، يذهب إلى أبعد من هذا، عندما يقول: إن إيران تدفع أساساً لتطبيق أجندة خطتها في الهيمنة الإقليمية وليس في النهاية لدعم الرئيس بشار الأسد، ولهذا فإن هذا الأمر بات مكشوفاً لحلفائها ومزعجاً لهم!
وتذهب التحليلات في واشنطن إلى أبعد من هذا عندما تقول إن الأسد لا يرغب في التالي في الوقوع تحت الهيمنة الإيرانية التي تحاول ترسيخ نفوذها العميق في سوريا، ولهذا فإنه لا يمانع ضمناً من أن يتولى الروس قصقصة أظافر طهران، رغم أنه وقّع معها اتفاقاً اقتصادياً يعرف جيداً أنه سيصطدم بالعقوبات الأميركية، التي ستعطّله بدلاً من أن يشكّل التفافاً عليها كما تعلن طهران رسمياً!
قبل أسبوعين تباهى وزير الخارجية محمد جواد ظريف بأن إيران بارعة في ما سمّاه فن التهرب من العقوبات: «هذا فن يبرع فيه الإيرانيون ويمكن أن نعلّمه للآخرين، وإن هذه العقوبات لن تدفعنا إلى تغيير سياستنا الإقليمية»، معترفاً بأن تبييض الأموال في إيران حقيقة تقف وراءها مصالح اقتصادية ينتفع منها الكثيرون. وإذا كان صادق لاريجاني اعتبر تصريح ظريف «طعنة خنجر في قلب النظام»، فإن ذلك لا يعني أنه سيكون في وسع طهران الإفلات من الآثار المدمرة للعقوبات التي لم تبدأ بعدُ آثارها العميقة في الظهور.
في أي حال يناقض ظريف نفسه عندما ينسى تصريحاته السابقة عندما حذّر من سقوط النظام وتفكيك إيران، معتبراً أن «فشل الاتفاق النووي خطير جداً إذا كان علينا الخروج منه»، خصوصاً أن الولايات المتحدة أحكمت قبضتها على الشريان الاقتصادي لإيران، عندما اعتقلت الذين ساعدوا سابقاً في الالتفاف على العقوبات، وأن الدول الأوروبية لا تستطيع فعل الكثير!
يعرف حسن روحاني أن الأسوأ يقترب في الطريق، لأن المفعول الحقيقي للعقوبات يبدأ بعد ثلاثة أشهر وتحديداً في مارس (آذار) المقبل. صحيح أن التومان الإيراني ينهار وصار الدولار الواحد يساوي 130 ألفاً بعدما كان يساوي 37 ألف تومان، لكن إسحق جانغيري يقول: إن إيران باعت من النفط ما يكفي حاجتها من السيولة هذا العام الإيراني الذي ينتهي منتصف مارس المقبل، «والورطة الحقيقية ستبدأ بعد ذلك التاريخ ولن نستطيع الخروج منها ولو حاولنا».
وفي انتظار ذلك التاريخ يكتب نائب الرئيس السابق لغرفة التجارة في طهران: «إن الوضع سيكون سيئاً للغاية، الناس هم من يتحملون عبئاً مزدوجاً سببه العقوبات وتعنت المسؤولين، وإن العظام ستتحطم على هذا الطريق».
قبل أسبوعين حاول روحاني أن يقرع أبواب الأميركيين والأوروبيين من زاوية جديدة عندما حذّر من أن يغرق الغرب في طوفان من المخدرات واللاجئين والهجمات على العواصم الغربية، إذا أضعفت العقوبات الأميركية قدرة إيران على احتواء هذه المشكلات: «أحذّر الذين يفرضون هذه العقوبات من أنه إذا تأثرت قدرة إيران على مكافحة المخدرات والإرهاب فلن تكونوا في مأمن من طوفان المخدرات والساعين إلى اللجوء والقنابل والإرهاب»!
كان الأمر محاولة لإثارة الفزع في الغرب بهدف الخروج من تحت طائلة العقوبات. لكن بعد يومين على كلام روحاني، نقلت وكالات الأنباء تصريحات للنائب الأفغاني عبد الصبور خدمت، يقول فيها إن إيران أصبحت ملاذاً آمناً لحركة طالبان، وإن النظام الإيراني يدعم المجموعات الإرهابية ويسلّحها بهدف شنّ حرب بالواسطة ضد أميركا والنظام الأفغاني.
وعلى خطٍّ موازٍ يقول بريان هوك الممثل الخاص لوزارة الخارجية الأميركية للشؤون الإيرانية، إن إيران ترسل الأسلحة والمعدات إلى حركة طالبان وكذلك إلى ميليشياتها المسلحة في دول الشرق الأوسط.
ويضيف النائب خدمت أن طهران تحوّلت – كذلك – إلى ملاذ لقيادات من «القاعدة» الذين فرّوا من أفغانستان في السابق، ويتحولون الآن إلى داعمين لإرهابيي «طالبان» داخل أفغانستان.
إذن، من سوريا إلى أفغانستان يحاول النظام الإيراني فتح ثغرة في نظام العقوبات التي تضيّق الخناق عليه، لكنّ ذلك لن يؤدي إلى نتيجة حين تتجه بشكل رئيسي شركات تكرير النفط في الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند إلى إيجاد بدائل للنفط الإيراني، تلافياً للوقوع تحت طائلة العقوبات.
ورغم هذا الواقع كان من الغريب فعلاً أن تنقل الوكالات من دمشق إعلان الحكومتين السورية والإيرانية توقيع «اتفاق اقتصادي طويل الأمد»، هدفه مساعدة البلدين للالتفاف على العقوبات، بما قد يؤدي عملياً إلى وضع أزمة إيران الخانقة مع أزمة إعمار سوريا الواقفة في سلة واحدة!