IMLebanon

تشدّد إيران واعتدالها ونتائج الانتخابات النصفية

 

طهران حائرة وممزقة في ردود فعلها على قرارات المقاطعة الاميركية، التي عملياً هذه المرة عملية حصار وتضييق حتى درجة الخنق العلني والمباشر. لا شك بداية ان طهران تريد المقاومة وعدم كسر ارادتها، لكن بين ما تريد طهران وما يمكنها ان تفعله مسافة كبيرة، لا يبدو حتى الآن انها قادرة على قطعها. دخلت العقوبات مرحلة التنفيذ التدريجي المتصاعد. الهدف الأميركي واضح فهو يهدف عبر قطع “الشريان” المالي عن الخزينة الايرانية إلى لَي “ذراع” ايران وإجبارها على وقف “سلوكها ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار” في المنطقة وفي مواجهة الولايات المتحدة الاميركية تحديداً. الرئيس دونالد ترامب اختار توقيت تنفيذ العقوبات بدقة، فالأميركيون لم ينسوا الاهانة الكبيرة التي لحقت بهم في الرابع من نوفمبر عندما احتل “الطلاب السائرون على خط الامام” السفارة الاميركية في طهران واحتجزوا الدبلوماسيين فيها ٤٤٤ يوماً مما أنتج سقوط احد أفضل الرؤساء الاميركيين جيمي كارتر ومجيء رونالد ريغان الذي صيغت باسمه “السياسة الريغانية” المتشددة.

 

طهران ردّت اولاً على القرار الأميركي، بتظاهرات “مليونية” للتذكير “بالاستيلاء على وكر الجواسيس في السفارة الاميركية” وشدد الحرس الثوري في بيان له، وكأن المواجهة اصبحت بينه وبين الرئيس ترامب، على ان “يوم ٤ نوفمبر هو رمز لانتصار الشعب الايراني في مواجهة الغطرسة”. الملاحظ ان القيادات التي اقتحمت السفارة واحتلتها انقلبت بعد سنوات على موقفها وطالبت علناً بعودة العلاقات الايرانية ـ الاميركية فدفعت الثمن غالياً من حريتها وحتى من سلامتها الجسدية، حيث لا يزال سعيد حجاريان مشلولاً بعد إصابته في محاولة اغتياله، وكافة الصحف “الإصلاحية” مقفلة وممنوع صدورها ورؤساء التحرير ممنوعون من الظهور والكتابة .

 

التناقض في المواقف الرسمية يصل الى حدود الشرخ العميق. بداية يتجسد الموقف المتشدد في الإعلان “انتصر الاملاءات والغطرسة الاميركية قد ولى ونشهد قريباً تغييراً في سلوك الادارة الاميركية”. ابعد من هذا، تشدد طهران على ان “على العالم ان يركع لكي تركع ايران”. لكن السؤال الشعبي المكبوت حتى الآن “قبل ان يركع العالم” كيف سنتجاوز العقوبات التي وان تركت واشنطن لنا حق بيع النفط الى ثماني دول بينها: الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا، ماذا ستغير، طالما ان خمسين مصرفاً ايرانياً على اللائحة السوداء والتحويلات ممنوعة، اي التجارة شبه ممنوعة، وخدمات التأمين او اعادة التأمين اضافة الى الحصار المفروض على السفن قائم الخ. والدولة لا يمكنها تنفيذ الشروط الاميركية التي تعني عملياً عودة النظام الى الداخل وسقوط استراتيجيته في الانتشار الخارجي التي دفع الشعب الايراني ثمنها من ثرواته المالية والبشرية؟

 

يُبشّر جواد ظريف وزير الخارجية الايرانية بأن “العقوبات الاميركية ستنقلب على واشنطن وتعزلها. لا يشرح الوزير “الظريف” كيف سيقع هذا “الانقلاب”. لكن كما يبدو فان النظام الايراني وجد حلاً الى جانب تصنيع الزوارق الحربية وطائرات “الكوثر” المنقولة عن الطائرة f-4 التي خرجت من الخدمة في سلاح الطيران الأميركي، في تكثيف الزيارات الدينية، علماً انه “لا يكفي ان يكون الله مع الفقراء” حتى ينتصر هؤلاء على اعدائهم. خلال هذه الفترة القصيرة:

 

* أفاضت السلطات الايرانية في وصف المسيرات الشعبية في ذكرى أربعينية الامام الحسين (ع) فأكدت ان ١٨ مليون زائر شاركوا فيها في كربلاء من اصلهم مليون وثمانمائة الف ايراني. والسؤال كيف اتسعت كربلاء لكل هذه الملايين ومن اين جاوؤا؟ واضح ان هذا العرض هو للتأكيد على روح المقاومة والاستشهادية.

 

* المسيرة المليونية ايضاً الى مشهد في ذكرى شهادة الامام الرضا (ع).

 

القيادة الايرانية التي تعتمد في تمرير مواقفها المتناقضة على “الجمهور الولائي” تعرف جيداً ان هذا لا يكفي. لذلك قال جواد ظريف “مستعد دائما للحوار مع اميركا، الا ان الحوار يتطلب الاحترام المتبادل وتنفيذ الالتزامات”. من اجل تسويق او تشريع هذا الموقف النقيض لمواقف الحرس والمتشددين، جرى لاول مرة تظهير ضريح الامام الحسن (ع) مع مقال طويل بعنوان: “كيف أكرهت الظروف الصعبة التي مرّ بها الامام الحسن على الصلح مع معاوية…”، كيف كان جوابه لمنتقديه “انني ما أردت بمصالحتي الا ان ادفع عنكم القتل”… الرسالة واضحة جداً ولا تحتاج للتفسير متى وضعت في سياق ما تمر به ايران حالياً.

 

القيادة الايرانية مستعدة للحوار والتوصل الى حل حتى لا يتعرض الشعب الايراني “للقتل الاقتصادي”. السؤال متى وكيف؟

 

تنتظر القيادة الايرانية نتائج الانتخابات النصفية الاميركية، فاذا فاز الحزب الجمهوري او نجح في الحد من تقدم الديموقراطيين فان إمكانية نجاح الرئيس ترامب في التأهل لدورة رئاسية ثانية سيصبح ممكناً، مما يعني ان صمود ايران ست سنوات مستحيل. عندئذ تصبح المفاوضات أمراً ملزماً… اما اذا ربح الديموقراطيون فانها تستطيع الصبر على العقوبات عامين الى حين رحيل ترامب ومجيء رئيس ديموقراطي وعندها يمكن تغيير الشروط وتخفيف المقاطعة خصوصا اذا كان من جماعة اوباما او من محيط هيلاري كلينتون.