ليس من الواضح ما اذا كانت ايران استعجلت جدا في العراق كما في اليمن من اجل فرض وقائع جديدة على الارض قبل الانتهاء من مفاوضاتها حول ملفها النووي فحصدت رد فعل من شأنه ان يضعها وجها لوجه في حرب مذهبية في تكريت في العراق كما في هجوم الحوثيين على مدن سنية في اليمن ام انها دفعت الامور بعيدا جدا على غرار اندفاع الحوثيين نحو محاولة السيطرة على اليمن بدلا من الاكتفاء بذكاء بما تحقق على رغم ان ايران كانت شبهت الحوثيين بـ”حزب الله” في لبنان. الامر الذي اثار تكهنات وتوقعات بأن الحوثيين سيقبلون بالحوار وتثبيت مكتسباتهم فيه.
فالولايات المتحدة التي اخذ عليها غض النظر الى حد كبير عن اداء ايران في العراق حيث اثنى مسؤولوها احيانا على ما تقوم به هناك في مساعدة الحكومة العراقية اضطرت اخيرا الى الانكفاء عن المشاركة في توجيه ضربات جوية استنادا الى مشاركة التحالف الدولي في الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية وذلك للمساعدة في هجوم قوات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من ايران على تكريت السنية التي تعرضت للنهب والتهجير واحراق المنازل. ابعدت واشنطن نفسها عن صراع مذهبي يتفجر على وقع المساعدة الايرانية المباشرة فتراجعت وتيرة الحملة العسكرية على تكريت. ولم تلبث الولايات المتحدة التي كانت حتى الامس القريب وعلى رغم سيطرة الحوثيين على مؤسسات الدولة تشن غارات على مقرات او مراكز لتنظيم القاعدة في اليمن ان سحبت كل عديدها الامني في اليمن في موازة تقدم الحوثيين نحو المدن ذات الغالبية السنية وتهديدهم عدن حيث لجأ الرئيس عبد ربه منصور هادي. في العراق بدت مشاركة الولايات المتحدة كأنها تسجل اهدافا في مصلحة ايران مباشرة عبر تلاقي مصالح مع ايران في السعي الى القضاء على تنظيم الدولة الاسلامية في مقابل عجز حكومي عراقي وتقاعس عن استيعاب الطائفة السنية هناك. وفي اليمن ومع التصريحات الاستفزازية لكبار المسؤولين الايرانيين وعدم اظهار الحوثيين اي استعداد للحوار او للاتفاق في مقابل استمرار استهداف اركان من تنظيم القاعدة الذي بات يتصدى للحوثيين بات صعبا ان تحلق طائرات الدرون استهدافا لهؤلاء ما يزيد الشرخ مع الولايات المتحدة. فاليمن يبدو على شفير حرب اهلية ذات طابع مذهبي حاد تهدده بان يتحول كما قال المندوب الدولي الى اليمن جمال بنعمر امام مجلس الامن الذي التأم استثنائيا بعد ظهر الاحد الماضي الى عراق او سوريا اخرى حيث الصراع السياسي والمذهبي في اوجه. وهذا يحصل عبر دعم من الدول الاقليمية في مواجهة دعم ايران للحوثيين .
وكان لافتا بالنسبة الى المتابعين خروج الولايات المتحدة الى التعبير عن مواقف قوية ازاء ايران كانت الادارة الاميركية امتنعت عنها خلال التمدد الايراني في العراق وسوريا وحتى في اليمن نتيجة اعتبارات قيل انها رغبة في ادارة الرئيس باراك اوباما عدم تضييع فرصة الوصول الى اتفاق على الملف النووي الايراني في حال وجه انتقادات قوية لطهران كما قيل انها نتيجة خشية على القوات الاميركية التي عادت باعداد غير كبيرة الى العراق من اجل المساعدة في وقف تقدم تنظيم الدولة الاسلامية. ولاحظ المتابعون مواقف لمسؤولين اميركيين حاليين وسابقين كان ابرزها لرئيس الاستخبارات الاميركية جون برينان يوم الاحد الماضي الذي اعتبر ان ايران لا تزال دولة راعية للارهاب وان الولايات المتحدة ستضغط عليها بعد الاتفاق على النووي فضلا عن اعتباره ان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني الجنرال قاسم سليماني يعقد مهمة الولايات المتحدة في محاربة الارهاب ويساهم في زعزعة استقرار العراق. وكان الجنرال ديفيد بترايوس القائد السابق للقوات الاميركية في العراق اعتبر في حديث قبل ايام ان ميليشيات ايران في العراق هي اخطر من تنظيم الدولة الاسلامية. وتزامن ذلك مع بيان رئاسي لمجلس الامن الدولي اقر فيها بشرعية الرئيس اليمني مطالبا الحوثيين بالتراجع عن سيطرتهم على مؤسسات الدولة. وفيما يعتبر البعض ان المواقف الاميركية المستجدة حصلت على وقع ضغوط من حلفائها في المنطقة وعلى وقع محاولة نفي استهداف الولايات المتحدة للسنة ومراعاتها او مسايرتها للشيعة، فان اخرين يعتبرون ان وطأة الصمت على التدخل الايراني في المنطقة بات غير محتمل بالنسبة الى الولايات المتحدة التي تتعرض لضغوط كبيرة في هذا الاطار نظرا الى توظيف ايران السعي الى انجاز اتفاق حول ملفها النووي عبر مسارعتها الى تسجيل مكاسب ومحاولة زرع نفوذ قوي لها في محاولة تطويق دول الخليج. ولا يمكن واشنطن او ادارة اوباما تحديدا ان تدير ظهرها لكل من تحفظات رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو الذي اعيد انتخابه كما لتحفظات حلفائها من دول الخليج مع تخطي الوضع في اليمن خطوطا حمر غير مقبولة بالنسبة الى امن دول الخليج.
تتزايد في ظل ذلك كله المخاوف من اتساع المواجهة الاقليمية وتمددها مذهبيا في كل الاتجاهات.