IMLebanon

ضربة إيران بعد الانتخابات

 

من خلال الحرب التي يخوضونها في لبنان وغزة، يعمل الإسرائيليون على تحقيق 3 أهداف: تصفية الملف الفلسطيني نهائياً، وإبعاد أي خطر مستقبلي عن حدودهم سواء في الجنوب أو في الشمال، وإزالة خطر إيران كقوة توسعية ونووية. وتحقيق هذه الأهداف يستلزم على الأرجح إطالة أمد الحرب الدائرة حالياً لأشهر إضافية، بل سنوات على الأرجح.

لا يريد بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الحكومة إنهاء الحرب في المدى المنظور، لا في غزة ولا في لبنان. كما أنّهم ليسوا مستعجلين لضرب إيران، لأنّهم يعتمدون برنامجاً مدروساً، وفق روزنامة محدّدة، يتطلّب الوقت الكافي لاستكماله.

ما تحقق حتى الآن في غزة، بعد عام من الحرب، هو أنّ الملف الفلسطيني بات تحت السيطرة الإسرائيلية تماماً. فقد انحسر نفوذ «حماس» وبدأ التحضير لرسم مستقبل القطاع في غيابها. والمثير في الأيام الأخيرة هو ظهور مشهدين متناقضين في غزة: نزوح الأهالي من الشمال هرباً من الموت بالنار والجوع والعطش والمرض. وفي المقابل، حماسة المستوطنين لنصب الخيام هناك، استعداداً لبناء 6 مستوطنات، ضمن مسار طويل الأمد يهدف إلى تعميم الاستيطان في القطاع كله تمهيداً لضمّه إلى خريطة إسرائيل.
وهذه السيطرة الديموغرافية على القطاع يُتوقع أن توازيها عملية مماثلة في الضفة الغربية، حيث تتحدث معلومات عن سعي إسرائيلي إلى ربط الضفة إدارياً بالأردن. وهذه الخطوة تثير المخاوف من أن تكون مقدّمة لقيام إسرائيل بدفع سكان الضفة إلى النزوح نحو الأردن، ثم الإعلان عن ضمّها إلى خريطتها.
ولأنّ إنضاج هذه الخطوات في الملف الفلسطيني يستغرق سنوات عدة، ويحتاج إلى ظروف إقليمية ودولية ملائمة، وخصوصاً التغطية السياسية من جانب الولايات المتحدة، فإنّ نتنياهو ورفاقه يراهنون على أنّ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستتيح فرصاً أكبر لتنفيذ هذا المشروع.
وفي الموازاة، يريد نتنياهو من ترامب أن يكون شريكاً له في مكان آخر، وتحديداً في الضربة القاسية التي يريد توجيهها لإيران، والتي يريدها أن تتكفل بتعطيل دورها، سواء كقوة نووية في المستقبل، أو كقوة توسعية في الشرق الأوسط، حيث تشكّل خطراً متنامياً على حدود إسرائيل في الشمال والجنوب.

وصحيح أنّ استراتيجيات واشنطن الخاصة بالتعاطي مع إسرائيل وإيران ومجمل الشرق الأوسط، لا ترسمها مراكز القرار داخل مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة، إلّا أنّ للرئيس هامشاً واسعاً في ترجيح الاتجاهات. فترامب مثلاً نجح في إلغاء اتفاق فيينا للعام 2015 مع إيران، وأطلق مسار الاتفاقات الإبراهيمية مع دول عربية، وحقق خرقاً تاريخياً في الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية عندما اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكن هذا النهج توقف بوصول جو بايدن إلى الحكم.
لذلك، يراهن فريق اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل على عودة ترامب في الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 5 تشرين الثاني المقبل. ويراهن هذا الفريق على أنذ الإدارة الجمهورية الموعودة ستطلق يد إسرائيل تماماً في الملف الفلسطيني، كما ستمنحها ضوءاً أخضر لتضرب إيران والتنظيمات الحليفة لها، ولاسيما منها «حزب الله».
ويتحدث ديبلوماسيون عن أنّ نتنياهو اصطدم برفض إدارة بايدن مشاركته في أي عملية عسكرية كبرى تزعزع استقرار إيران ومؤسساتها ونظامها. ومردّ هذا الرفض هو وجود حسابات أميركية – إيرانية مشتركة، وربما توافقات، لا يرغب أي من الطرفين في خرقها، خصوصاً في ظل المفاوضات الدائرة بينهما بنحو متقطع في عُمان وسواها، على مستوى الديبلوماسيين والخبراء. وقد شكّل كلام الإسرائيليين عن تسريب واشنطن خطتهم المُعدّة لضرب إيران دافعاً إضافياً لنتنياهو لكي يؤجّل الضربة الموعودة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية. فالأهداف الكبيرة التي يراهن على تحقيقها في هذه الضربة تستحق التريث والرهان على عودة ترامب.

وتقول المصادر، إنّ نتنياهو في صدد التحضير لخطتين مختلفتين سيعتمد إحداهما بعد الانتخابات. فإذا فاز ترامب، ستكون الضربة التي ستستهدف إيران قاسية جداً وتمسّ بأركان النظام وعناصر القوة التي يمتلكها، ما يمكن أن يؤدي إلى زعزعته. وأما فوز كامالا هاريس فيمكن أن يتيح ضربة موجعة لإيران، لكنها لا تشكّل إرباكاً للنظام أو تهديداً له. ولكن، في أي حال، يبدو نتنياهو متفائلاً بأنّه سيكون قادراً على استكمال تصفية الملف الفلسطيني، في السنوات المقبلة، وعلى منع التمدّد الإيراني في المنطقة العربية وضمان الأمن على الحدود مع لبنان، أياً كان الآتي إلى سدَّة المسؤولية في البيت الأبيض. ويبدو أنّ ترامب وهاريس يتقاطعان على إطلاق يد إسرائيل لإيجاد المخارج التي تراها مناسبة لضمان أمنها، سواء على حدودها مع لبنان أو في قطاع غزة والضفة الغربية.
هذا يعني أنّ عامل الوقت ليس لمصلحة لبنان، وأنّ موافقة الحكومة اللبنانية اليوم على التسويات المطلوبة دولياً تبقى أفضل وأدنى كلفة من التسويات الآتية. وإذا كان انتظار السيد الجديد للبيت الأبيض هو الوصفة التي يريدها نتنياهو لتحقيق أهدافه، فإنّ لجوء اللبنانيين إلى لعبة الانتظار والمماطلة لا يعني إلاّ الغرق أكثر فأكثر في الكارثة.