يتحدث الكثيرون هذه الأيام، عن قرب نشوب مواجهة عسكرية من نوع ما بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في أي وقت، في أعقاب دفع الأولى لعدد من حاملات الطائرات والقاذفات الاستراتيجية والمقاتلات والجنود إلى المنطقة.
معظم وسائل الإعلام الغربية اليسارية، وعلى غير عادتها في زمن الحروب، ومواضيع الأمن الوطني الأميركي، انحازت للنيل من الرئيس دونالد ترامب. هيئة التحرير في صحيفة “واشنطن بوست” على سبيل المثال، كتبت قبل يومين فقط، مقالة مناصرة لموقف إيران، لا يستطيع حتى وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف كتابتها.
على أن الحديث عن الحرب، ورغبة إيران في مواجهة العالم، ليس بجديد. الحقيقة أن هذه الدولة الخارجة عن القانون، بدأت حروبها بالفعل ومن طرف واحد قبل سنوات، لا بل عقود. سلوك إيران وأفعالها خارج حدودها، إعلان حرب بكل ما تعنيه هذه العبارة. هل لا زال أحد يظن بأن تدخل إيران في الثورة السورية وإقحامها لميليشيا “حزب الله” في القتال الفعلي داخل الأراضي السورية، وإجرامها المتمثل في إزهاق أرواح عشرات الآلاف من السوريين، هو نزهة صيفية أو شتوية؟ هل يرى أحد أن سيطرتها على العراق هو من باب التعاون المشترك بما يخدم مصالح الطرفين؟ هل أن دعمها المفضوح لميليشيا الحوثيين وهي تطلق الصواريخ الباليستية (الإيرانية الصنع) على مدن المملكة العربية السعودية هو مجرد مناورات سلمية؟
فتحت إيران العديد من جبهات القتال، وأصبحت طرفاً معتدياً في حروب استنزافية في أكثر من مكان، من دون أن تجد من يردعها أو يهددها بخطورة ذلك. نعم، وقعت طهران مع الرئيس أوباما وعدد من الدول الأوروبية على ما يعرف بـ “الاتفاق النووي”. لكنها، وقبل أن يجف حبر التوقيع، وبسبب هذا “الاتفاق” الذي ظن بعض السذج في الغرب بأنه “انتصار للديبلوماسية”، شرعت تؤسس مواقع جديدة عدة كقواعد عسكرية لتعزيز تواجدها إلى الأبد في أرض دولة بني أمية. ولولا القصف الإسرائيلي المباشر لهذه المواقع داخل سورية، وتسريب مقاطع مصورة للدمار الذي يعقب هذا القصف، لما عرف العالم عن هذه القواعد أصلاً. الغريب هنا، أن إيران لم تستطع الرد على هذه الهجمات ولا برصاصة واحدة، وفي ذات الوقت يتضاعف دعمها للحوثيين عن طريق شحن المزيد من المعدات والصواريخ إلى اليمن مع أطقم فنية من “حزب الله” لتدريب ميليشياتهم على استخدامها. إطلاق هذه الصواريخ يشكل هو الآخر إعلان حرب صريح ضد المملكة العربية السعودية ومصالحها وممتلكاتها ومخزوناتها العالمية من الطاقة.
لا أحد بالطبع يريد المواجهة العسكرية الشاملة بين الولايات المتحدة وإيران. والسؤال الذي يجب أن يُطرح: ما الحلول الأخرى المتاحة لكبح جماح نظام ولاية الفقيه وطموحه؟ حرب النظام الإيراني ضد السعودية مثلاً، بدأت بعد بضع سنوات من عودة الخميني وتحديداً في عام 1987، الذي شهد اضطرابات دموية في موسم الحج، وتبعته محاولات متكررة لتهريب المتفجرات إلى المشاعر المقدسة، إضافة إلى دعم طهران المتواصل للإرهاب الشيعي في المنطقة الشرقية وتفجيرهم لمبنى الجيش الأميركي في مدينة الخبر السعودية، وقبل ذلك تفجير مركز المارينز في بيروت، وهو الاعتداء الذي لم ولن يطويه النسيان لدى الحكومة الأميركية.
قبل عام، ومع إدراك الإدارة الأميركية الحالية للتحايل الإيراني واستمرار طهران في دعم الإرهاب، وقع الرئيس ترامب مرسوماً بالخروج الأحادي من “اتفاق أوباما”، تلا ذلك فرض المقاطعة الصارمة التي تخضع لها إيران هذه الأيام، بهدف دفع الإيرانيين إلى التفاوض من جديد وبشروط مختلفة. لكن، وكما أشار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مقابلة سابقة، كيف يمكن التفاوض مع هذا النظام الذي تحركه الايديولوجيا، وقصة المهدي المنتظر وأوهام التوسع وحلم الإمبراطورية الفارسية وبقية خزعبلات هذه الخلطة العجيبة من الأهداف التي يصبحون وينامون عليها؟
للأسف، معظم المؤشرات هذه المرة تؤشر إلى أن المواجهة قد تحدث في أي لحظة، حتى عن طريق الخطأ، خصوصاً بعد استهداف عدد من السفن في الخليج ومحاولات تفجير مراكز نفطية جنوب الرياض، قبل أيام نفذتها جماعة الحوثيين، ذراع طهران في اليمن.
لو حدثت المواجهة، فستترك ورائها دمارا هائلاً داخل إيران لا يمكن التنبؤ ببشاعته. البعض يرى أن هذا ربما هو بالضبط ما يبحث عنه المرشد خامنئي في النهاية، لأن هذا النظام ومنذ ولادته قبل أربعة عقود، يمارس زرع الوهم لدى الإيرانيين بالشعور بالمظلومية وتآمر العالم عليهم، ولسبب مهم من وجهة نظره، ألا وهو تمكين النظام من تخوين أي معارضة داخلية تهدف إلى الإصلاح.
بالطبع، لا حاجة لاحتلال إيران كما حدث في العراق في عام 2003 لأن الولايات المتحدة قادرة على تدمير جميع المنشآت المهمة، والبنى التحتية، وتعطيل المحطات النووية، وقطع الاتصالات والكهرباء وتدمير الموانئ والمطارات داخل الجمهورية الإسلامية، من دون الحاجة لدخول جندي أميركي واحد عبر الحدود. لو وصل الحال إلى هذه الدرجة، فستجد إيران أنها في حاجة لأربعة عقود جديدة من الزمن لتتمكن من إعادة بناء ما دمره هذا القصف الكثيف.
في المقابل، قد تحدث أضرار كبيرة في المنطقة وفي مياه الخليج، وقد تفقد الولايات المتحدة المئات من جنودها، ويذهب العديد من الأبرياء هنا وهناك.
يبقى الميزان العسكري والتكتيكي والموقف الدولي في صالح أميركا في نهاية المطاف، حتى التحفظ الذي تبديه بعض دول “حلف الأطلسي” هذه الأيام على المواجهة الحتمية، لا يعني التخلي تماماً عن دعم الولايات المتحدة لو احتاجت هذا الدعم، هذا فضلاً عن دور إسرائيل والدول العربية المتضررة من إيران.
المسؤولية في النهاية عن كل ما حدث وما قد يحدث، تقع على حكومة طهران، فهي وحدها من قرر أن تصبح إيران “دولة عظمى”، وتعيد حقبة الاستعمار الأوروبي التي انتهت منذ عقود.
ورثت “حكومة الملالي” دولة قوية من الشاه، لكنها لم تختر الاستمرار في طريق البناء والتنمية في الداخل، والانضمام إلى دول العالم وبناء العلاقات المتوازنة.
إنفاق الإيرانيين على التسلح منذ عودة الخميني حتى اللحظة، وطموحاتهم البليدة، دفع ثمنها، أمس واليوم، الشعب الإيراني المغلوب على أمره، وتحديداً من غرقوا في السنوات الأخيرة في تجارة المخدرات والبغاء والجريمة، أو من هاجروا وتشردوا بسبب ارتفاع نسبة البطالة وتفشي حالات الفقر.