IMLebanon

إيران تناقش «برنامجها الصاروخي» لتنقذ «اتفاقها النووي»

 

عندما اندفعت إدارة الرئيس باراك أوباما نحو الاتفاق النووي مع إيران، واكبها الإعلام الأميركي بأن النظام الإيراني سينفتح ويصبح معتدلاً، لكن بعد ما يقرب العامين على ذلك الاتفاق، هل من شخص يمكن أن يواجه العالم ويقول إن سلوك النظام الإيراني قد مال نحو سلوك دولة؟! منذ ذلك الاتفاق تمددت إيران أكثر، وتكاد تستولي على دول المشرق.

عادت الضجة حول ذلك الاتفاق، ومع عودتها التي ترافقها تخمينات عما يمكن أن يقرره الرئيس الأميركي دونالد ترمب، شرح أحد الخبراء من دائرة الرئيس تخميناته، وهي:

ضرورة وضع احتمال تغيير النظام واحتمال الخيار العسكري على الطاولة؛ لأن هذه الخطوات ضرورية لإعطاء فرصة أكبر لنجاح مفاوضات «القوة الناعمة»، ولأنه يجب منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية. يقول محدثي إن تغيير النظام فعلياً سيكون الطريقة الأنجع لإنهاء الطموحات النووية الإيرانية. ليس هناك ما يضمن بأن أي حكومة جديدة قد تتخلى عن البرنامج، لكن يمكن أن يكون شرط الولايات المتحدة للاعتراف بها، التخلي عن البرنامج النووي.

المكون الثاني لاستراتيجية ناجحة هو أن يتأكد كل المعنيين والمحيطين بهذا الاتفاق، من أن فشل محاولات «القوة الناعمة» سيؤدي حتماً إلى ضربة عسكرية. يضيف: «يجب وضع التهديد العسكري على الطاولة، على الرغم من أن بعض البرامج الإيرانية العسكرية تحت الأرض، ولا يمكن الوصول إليها، لكن لا يزال بإمكاننا تدمير الكثير منها، وتدمير معظم القدرات العسكرية الإيرانية». برأيه، أن مثل هذا التهديد سيكون بمثابة حافز قوي للعمل بحسن نية ولو لمرة واحدة، من أجل التوصل إلى تسوية سلمية عن طريق التفاوض يمكن أن تنهي برنامج إيران النووي، وأفضل طريقة لتحقيق ذلك هي أن يعرف الإيرانيون «أننا سندعم إزالة حكومتهم، وإذا اضطررنا، سنعمل على تدمير قدراتهم العسكرية».

إن السلاح النووي يحتاج إلى نظام توصيل يعمل بكامل طاقته، وقد أتاح إزالة برنامج الصواريخ الإيرانية من الصفقة النووية لإيران مواصلة العمل على نصف برنامجها، مع بقائها «ممتثلة فنياً» ببنود الاتفاق النووي. لقد تعهدت طهران مراراً بمواصلة العمل على بناء ما تسميه قدراتها الصاروخية الدفاعية، في تحدٍ واضح للمعترضين الغربيين، في حين تقول واشنطن إن إيران تنتهك الاتفاق النووي لعام 2015. ومؤخراً، ونظراً لتهديدات الرئيس ترمب بالتخلي عن الاتفاق الذي توصل إليه سلفه باراك أوباما، أقدمت إيران على الاتصال بممثلين عن الدول الخمس الموقعة على الاتفاق، طارحة إجراء محادثات حول «إبعاد» برنامجها الصاروخي. وجاء في تقرير لوكالة «رويترز» في السادس من الشهر الحالي، أنه على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، أبلغت إيران أعضاء القوى الدولية بأنها لا تمانع في مناقشة برنامج الصواريخ؛ وذلك لإزالة المخاوف. وقال مصدر إيراني لـ«رويترز»: إن الأميركيين أعربوا عن قلقهم بشأن قدرة إيران الصاروخية، فكان رد محمد جواد ظريف وزير الخارجية: أنه يمكن مناقشة البرنامج.

وكأن مساً أصاب بعض المسؤولين الإيرانيين بعد نشر هذا التقرير؛ إذ أصدر الناطق باسم الخارجية الإيرانية نفياً، ولم يتوقف علي رضا مريوسفي، مدير الاتصالات في البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، من تكرار أن كل ما جاء في التقرير خاطئ وغير صحيح. ثم بدأت آلة الدعاية الإيرانية في العمل، خصوصاً رداً على تسريبات بأن العقوبات الأميركية ستشمل الحرس الثوري، فدخل على خط الهجوم على أميركا وإسرائيل والسعودية أيضاً، الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وهددت إيران برد حاسم وقاسٍ «لو» أدرجت واشنطن الحرس الثوري على قائمة الإرهاب. ويبدو أن أميركا «مستعدة» لوضع إيران وتهديداتها على المحك، خصوصاً بعدما نجح أفراد من الجيش الصومالي يوم الأحد الماضي في ملاحقة سفينتي صيد إيرانيتين كانتا تصطادان في المياه الإقليمية الصومالية، فقتلوا ربان إحداهما واعتقلوا أفراد الطاقم، بينما لاذ القارب الثاني بالفرار.

هناك كوريا الشمالية وهناك إيران تقعان تحت موجة من التكهنات حول احتمال وقوع عمل عسكري وشيك. كوريا الشمالية تئن تحت مقاطعة اقتصادية موجعة. أما إيران فيتعين على الرئيس الأميركي أن يشهد على امتثالها لنصوص الاتفاق كل 90 يوماً. التوقعات ألا يقدم على ذلك هذا الأسبوع، بل يدفع المسألة إلى الكونغرس الذي سيكون أمامه 60 يوماً لإعادة فرض العقوبات على إيران. فإذا ما فعل ذلك، فإنه سيسبب «ثورة» عند «الحلفاء» الأوروبيين، وكذلك لدى الروس والصينيين. يؤيد الأوروبيون الاتفاق النووي مع إيران لأنه يرفع العقوبات الأميركية ويسمح لهم بإعادة إقامة علاقات اقتصادية مع إيران. وصباح الاثنين الماضي، قال مسؤول في وزارة المواصلات الإيرانية إن ألمانيا تنتظر القرار الأميركي لتبدأ في تمويل مشروع للسكك الحديد في إيران بمبلغ 3 مليارات يورو. تعرف إيران أن عليها تحريك الأوروبيين؛ لأن العقوبات الأميركية ستجبر الشركات الأوروبية على إعادة التفكير في أي صفقة مع إيران خوفاً من فرض عقوبات عليها. وحسب مصدر أميركي مطلع، فإن هذا ما ينوي فعله الرئيس ترمب، دفع إيران نفسها إلى التخلي عن الاتفاق النووي.

خلال المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق، فاوض الإيرانيون من موقع قوة، ونقطة الضعف التي خضع لها جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق كانت قبوله بأن يتضمن الاتفاق النهائي إعادة صياغة لقرار مجلس الأمن الذي يحد من قدرة إيران على تطوير الصواريخ الباليستية. وكان القرار رقم 1929 الذي اعتمد في يونيو (حزيران) 2010 يقضي بـ«ألا تضطلع إيران» بأي نشاط يتعلق بالصواريخ القادرة على إيصال أسلحة نووية. وأن تتخذ الدول كل التدابير اللازمة لمنع نقل التكنولوجيا أو توفير مساعدة تقنية لإيران تتعلق بهذه الأنشطة. لكن خلال المحادثات المتعلقة بالبرنامج النووي في فيينا طالب ظريف برفع الحظر عن تطوير الصواريخ الباليستية كجزء من الاتفاق، وكانت حجته، إذا كانت إيران ستتخلى عن برنامج الأسلحة النووية، فإن أي تطوير للصواريخ لا يمكن بالتالي أن يكون متصلاً بأنظمة «قادرة على نقل أسلحة نووية»، العبارة الواردة في القرار الدولي رقم 1929. ورداً على اقتراح ظريف، وافق كيري على أن القيود المفروضة على تطوير الصواريخ ستنتهي تماماً بعد 8 سنوات من تنفيذ الاتفاق، وفي الفترة الفاصلة فإن «إيران مدعوة إلى عدم تطوير الصواريخ الباليستية». ونتيجة لذلك؛ تمت الموافقة على قرار مجلس الأمن رقم 2231 الصادر في يوليو (تموز) 2015 وحل محل القرار 1929، وبدأ العمل به في يناير (كانون الثاني) 2016. وألغيت عبارة «ألا تضطلع إيران بأي نشاط» لتحل مكانها عبارة «إن إيران مدعوة إلى عدم تطوير صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية». العبارة الأولى كانت إلزامية، أما العبارة التي حلت محلها فكانت طوعية، وبرنامج إيران المستمر لتطوير الصواريخ الباليستية أغضب إدارة ترمب ورداً على انتقاده لهذا البرنامج، صوّت البرلمان الإيراني على زيادة الإنفاق على أبحاث هذه الصواريخ وتطويرها.

من جديد، أراد ظريف استعمال براعته وذكائه في حديث إلى مجلة «نيوزويك» الأميركية تجاوز مسألة الصواريخ الباليستية، ومسألة التدخل الإيراني مباشرة أو عبر الميليشيات الشيعية، وجاء حصر الأمر في الاتفاق النووي، فاتهم ترمب بأنه انتهك «روح الاتفاق»، ثم حاول تحريك «عزيمة» المجتمع الدولي قائلا: «إذا قررت أوروبا واليابان وروسيا والصين التعاون مع الولايات المتحدة؛ فأعتقد أن ذلك سيكون نهاية الصفقة». ثم نشر صوراً له معانقاً قائد الحرس الثوري.

جاءت تصريحات ظريف بعد «الهجمة» الإيرانية الشرسة على ما جاء في تقرير «رويترز» الذي كشف عن أن شخصاً ما في طهران أدرك الفرق بين إدارتي ترمب وأوباما. لن يكون هناك عمل عسكري، بل عقوبات اقتصادية مضاعفة، بدأتها إدارة ترمب ضد كوريا الشمالية وضد روسيا وإيران. تركت واشنطن سوريا المدمرة لإيران وروسيا، وهي تستعد لتثبيت العقوبات الاقتصادية على سوريا طالما أن بشار الأسد ظل رئيساً. لن تكون هناك إعادة لإعمار سوريا. القصة طويلة والمستنقع سيستنزف دولاً كثيرة، وما نفع الانتصارات العسكرية من دون مردود اقتصادي، بل مع مقاطعة؟