في شباط ، اغتال تفجير هائل والدي، رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري ومعه لبنانيا آخرين. وقد حددت المحكمة الخاصة بلبنان في لاهاي خمسة عناصر من حزب الله بصفتهم متهمين بالتعاون على ارتكاب الجريمة. وفي حال إثبات الأمر، فمن شأنه أن يعني أن الجريمة نفذها حلفاء إيران في لبنان، الممولون والمسيطر عليهم من قبل النظام في طهران.
بعد ذلك بثلاثة أعوام، أي في 2008، انتقل حزب الله لاحتلال بيروت، وبعد سنين عديدة من الوعود بأن ترسانته الواسعة التي وفرتها له إيران مخصصة فقط لحماية لبنان من اسرائيل، ادار سلاحه ضد شعبه.
ومؤخرا، يمنع حزب الله لبنان من انتخاب رئيس ويفرض شللا مدمرا على حكومة البلاد لابتزاز المواطنين بالرضوخ لمطالبه.
وفي هذه الأثناء أرسل حزب الله ألوفا من الشبان اللبنانيين ليقاتلوا ويموتوا في سوريا دفاعا عن نظام بشّار الأسد الكريه وهو الطاغية الوحشي الذي دانته الأمم المتحدة وسائر العالم لإشرافه على مقتل ما لا يقل عن ربع مليون من شعبه. وقد خلق الأسد عمدا، بمساعدة إيران وحرسها الثوري وتوابعه من حزب الله والميليشيات من العراق وأفغانستان، اسوأ أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، فهجروا بلا ورع ملايين الناس إلى الدول المجاورة وأوروبا.
نحن اللبنانيين نعرف جيدا العنف والفتنة والحقد الطائفي والمذهبي والقسوة والارهاب الذي يمكن لإيران وحلفائها تسبيبه بحق دول أخرى، مهما حاول المسؤولون الإيرانيون أن يزعموا تجاه العالم الخارجي. لقد كانت إيران أكبر دولة داعمة للإرهاب منذ نهاية السبعينات.
لم ننس احتجاز الرهائن الأميركيين والغربيين في الثمانينات على يد تابعين لإيران. لم ننس تفجير ثكنة المارينز في مطار بيروت حيث قتل من المارينز والبحارة والجنود الأميركيين. لا بل أن حال النسيان لتلك الاحداث في معظم العالم، كما تجاهل ما يحصل في سوريا وغيرها اليوم، يتركنا في حال من الدهشة.
الكارثة التي حلت بشعب سوريا بدأت عندما تدخلت إيران وحلفاؤها لتدعيم دكتاتورية الأسد الوحشية في وجه انتفاضة ديموقراطية شعبية كانت في الأصل لا عنفية ولا طائفية. كان الشعب السوري لا يطلب سوى اصلاح نظام شرير فاسد يحكم بالقوة المتوحشة. واليوم، يرزح لبنان، تحت عبء 1,3 مليون لاجئ سوري هجّرهم هذا النظام الفاقد للضمير من بيوتهم.
المأساة في اليمن أيضا بدأت عندما شرعت ميليشيا الحوثيين المتمردة والمدعومة من إيران في قتال شعبها في انقلاب دانه مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة. وكان هدفهم ببساطة زعزعة وتهديد استقرار السعودية ودول الخليج العربي الأخرى.
في العراق، روّجت ومولت إيران مجموعة من الميليشيات العنيفة التابعة التي زعزعت ونشرت الحقد المذهبي في البلاد وباتت الآن تقوّض الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم «الدولة الإسلامية«.
المسؤولون الإيرانيون يتبجحون بوقاحة أن ايران باتت تسيطر على عواصم عربية: بيروت وبغداد وصنعاء ودمشق ويفاخرون بهذه السيطرة. مثل هذا التبجح يمثل تهديدا واضحا، ونحن في لبنان نأخذه بجدية، بأن إيران تريد توسيع نفوذها في الشرق الأوسط بزرع الفتنة وترويج الإرهاب والحقد الطائفي والمذهبي وزعزعة استقرار المنطقة بواسطة أتباعها، بينما تزعم أنها في موقع المتفرج.
قارنوا ذلك بما قامت به المملكة العربية السعودية لأجل لبنان. في الثمانينات، بينما كانت إيران منشغلة بادارة الميليشيات التابعة لها في لبنان، ساعدت السعودية لبنان بالتوصل إلى اتفاق تاريخي لإنهاء الحرب الأهلية، وأعني اتفاق الطائف، باسم المدينة السعودية حيث اجتمع أعضاء البرلمان اللبناني ووضعوا حدا لمجزرة امتدت عاما.
وفيما كان لبنان يجهد لإعادة بناء اقتصاده بعد الحرب الأهلية التزمت السعودية بمساعدات حيوية في مؤتمر باريس لإعادة البناء المالية في لبنان، وساهمت بأكثر من ,مليار دولار من المساعدات.
كم مدرسة ومستشفى شيدت إيران في لبنان؟ كم من المساعدة وفرت للبنان كي يعيد إعمار نفسه؟ الجواب بالطبع، هو صفر تقريبا، وأي مساعدة إيرانية تذهب بالكامل لمصلحة حزب الله السياسية.
أمام إيران فرصة فريدة لمساعدة الذين يحاربون التطرف بالفعل في العالم العربي. ولكي تقوم بذلك عليها وقف تدخلها في الشؤون العربية من اليمن إلى البحرين والعراق وسوريا ولبنان. عليها وقف تغذية القهر السني الذي يشجع أقلية هامشية على الاعتقاد أن الإرهاب هو الحل. ويمكن لإيران أن ترغم الميليشيات من افغانستان والعراق ولبنان وإيران على الانسحاب من سوريا. من شأن ذلك أن يكون خطوة أولى عظيمة لإزالة العقبة التكتيكية الأخيرة أمام الذين يحاربون التطرف بالفعل في العالم الإسلامي.
يمكن لإيران أن تكون جزءا من الحل، لكن عليها أن تقبل اليد الممدودة العربية، بقيادة المملكة العربية السعودية لعلاقات حسن جوار طبيعية، وأن تسمح للسنة العرب أن يتفرغوا للجهد الحقيقي للتخلص من التطرف.