تشكل دعوة إيران الى الانضمام الى الاجتماع الوزاري في فيينا الذي يضم الى الولايات المتحدة وروسيا كلاً من المملكة السعودية وتركيا في مرحلته الثالثة بعد مرحلة اولى قبل اسبوع والثانية اليوم ثم ثالثة يوم غد الجمعة دلالة على ان البحث في حل للازمة السورية قد انتقل الى مرحلة جديدة باتت تتطلب كل اللاعبين الاقليميين اصحاب الأدوار والمصالح في سوريا. فهذه الخطوة وحدها، أي دعوة إيران على غير ما كانت عليه كل الاجتماعات الدولية السابقة حول سوريا، تعطي إيران إقراراً بدورها الذي سبق ان اعترفت به الولايات المتحدة قبل روسيا خصوصاً بالنسبة الى الحرب السورية التي زادت إيران انخراطها فيها أخيراً عسكرياً في اطار تعزيز مواقعها وأوراقها استباقاً لهذه الدعوة المنتظرة. إذ ان التحفظ الذي كانت تبديه الدول العربية الخليجية عن اشراك إيران كان مسألة وقت ليس إلا انطلاقاً من ان هذه الدول تدرك ان إيران يجب أن تكون الى الطاولة شأنها شأن كل اللاعبين الآخرين علماً انها الأساس في تأمين استمرارية الرئيس بشار الأسد خلال أعوام الحرب الأهلية. فضلاً عن ان سوريا ليست اليمن حيث تقوم إيران بدور من خلال دعم الحوثيين وتغذيتهم بالسلاح والأموال ما يبقي سهلاً الى حد ما إبقاءها خارج التفاوض المباشر على رغم أن استمرار الحرب هو نتيجة رفضها لابعادها عن إشراكها في الحل وإيلائها الدور الذي تبحث عنه. ففي سوريا إيران موجودة على الأرض مباشرة وعبر ميليشياتها أو التنظيمات التي تمولها وتدعمها ومن الصعب تجاهل موقعها في ظل هذا الواقع. إلا أنه حتى هذه المشاركة كانت تخضع لشروط ليس واضحاً تماماً بعد ما إذا كانت الاتصالات الديبلوماسية التي جرت في الأيام القليلة الماضية على اعلى المستويات قد ساهمت في تلبيتها أم لا أو أن ضرورات التوصل الى حل للحرب السورية من دون ابقاء ثغرة لتعطيله يمكن ان تنفذ اليها إيران نتيجة إبقائها خارج التسوية ضغطت في هذا الاتجاه عبر جهود دولية أو ان هناك ضمانات قدمتها الولايات المتحدة وروسيا في هذا الاطار. الا انه في أي حال فان مؤيدي إيران في لبنان اعتبروا انها سجلت نقطة اساسية لمصلحتها وحققت مكسباً لصالحها على حساب مصلحة الدول العربية أو الخليجية الرافضة لأي مشاركة لها في أي مفاوضات حول سوريا وان الولايات المتحدة لعبت دوراً ضاغطاً على المملكة السعودية في هذا الاتجاه على رغم تصاعد ظواهر الصراع واحتدامه بين المملكة وإيران في الأسابيع الأخيرة، وهو الأمر الذي يترجم وفق هؤلاء إقراراً دولياً علنياً بنفوذ إيران الاقليمي في سوريا بعد العراق وامتداداً الى لبنان حيث “حزب الله” الذي يعد الذراع الإيرانية على البحر المتوسط والحدود مع اسرائيل.
في المقابل لفتت مصادر ديبلوماسية الى إشارة الولايات المتحدة قبل أيام في معرض الاعداد لتأمين مشاركة إيران في المفاوضات منذ الاجتماع الرباعي الأميركي الروسي التركي السعودي في فيينا الأسبوع الماضي الى موافقة طهران على بيان جنيف واحد علماً انها لم تدع اليه وقتئذ وكانت عدم موافقتها العلنية على البيان احدى الذرائع لرفض التعاون معها في البحث عن حل للحرب السورية. وهذا يشكل مؤشراً على ان ثمة الكثير مما يجري من اتصالات لا يزال غالبيته تخضع لسرية كبيرة ليس اقل مؤشراتها استدعاء الأسد الى لقاء الرئيس الروسي في موسكو من دون حاشيته السياسية وزيارة وزير الخارجية العماني الى دمشق للقاء الأسد. واللافت في هذا الاطار بحسب المصادر نفسها هو طغيان هذه التحركات الديبلوماسية الناشطة على العمليات العسكرية الروسية في الدرجة الأولى وقد انتقلت هذه العمليات الى الصف الثاني من الأحداث والتطورات على نحو عكس جدية لا سابق لها في السعي الى حل للحرب السورية تحت وطأة اعتبارات لا قبل لغالبية الأفرقاء المنخرطين في الحرب بتحملها على غرار ما يخشى بالنسبة الى غرق روسيا وطهران اكثر في حرب الاستنزاف المستمرة منذ اكثر من اربعة اعوام اضافة الى العجز عن محاربة تنظيم الدولة الاسلامية وتمدده في ظل العجز عن ايجاد حل سياسي، وكذلك بالنسبة الى وقف النزف البشري الى خارج سوريا. وهي العناصر التي تقلق الدول الخارجية والاقليمية أكثر من عامل سقوط أكثر من 250 الف مواطن سوري وتدمير سوريا.
المصادر الديبلوماسية المعنية تعتقد بان التعليق على أي من التطورات الجارية ليس منصفاً باعتبار ان ما يجري راهناً من اتصالات على اعلى المستويات الدولية هي سلسلة مترابطة بحيث لا يمكن عزل أي تطور عن إطاره. لكن هذه الاتصالات تعكس جدية اكثر من أي وقت مضى مع عدم بقاء أي طرف خارج التفاوض الفعلي بعد انضمام إيران الى طاولة التفاوض انما من دون إمكان الجزم في أي حال باحتمال الوصول الى نتيجة في شأنها على رغم إقرار هذه المصادر بأن أوراقاً واقتراحات عدة يتم بحثها ويتم تسريب القليل منها يمكن أن يشكل معلماً رئيسياً على غرار البحث مثلاً في مصير الرئيس السوري وفي أي مرحلة سيرحل أو إذا كان سيبقى في المرحلة الانتقالية ام لا. في حين ان المواقف المعلنة للاطراف المعنيين لا تفترض انها تكشف حكماً عن كل ما يجري بحثه بمقدار ما تعبر عن رفع الأفرقاء سقوفهم للتفاوض من أجل تعزيز أوراقهم ومواقعهم.