يعمل الرئيس نبيه بري يومياً على «فك الاشتباك» في الصغيرة والكبيرة من تطورات الحالة اللبنانية. التداخل بين هذه الحالة المعقدة والحالات العربية والاقليمية المتفجرة، تجعل مهمته صعبة ودقيقة. العناية الاقليمية والدولية، تساعده كثيراً في ضبط تصعيد الاشتباكات، بحيث تبقى تحت السيطرة. مهما بلغت براعة «الأستاذ» في استمرار الحوار مثلاً رغم كل «النوافذ« المفتوحة التي تمر من خلالها الرياح الساخنة وأحياناً العاصفة، فإن إخراج لبنان من الفراغ بسرعة يبدو مستعصياً، الى درجة أن الكلام عن حل خلال سنة كاملة أصبح نوعاً من الترف المتفائل الذي يستدعي الدعوة لأن يصل هذا التمني فوراً الى العناية الالهية». الأزمة كانت معلقة على تداخل المسارين اللبناني والسوري، أصبحت اليوم معلقة على تداخل المسارات كلها ببعضها البعض خصوصاً اليمني منها، وكل ذلك في إطار المواجهة الاقليمية الدائرة بين إيران والسعودية ومعها كل دول الخليج ومصر المتضامنة معها من منطلق وحدة الأمن القومي العربي.
«عاصفة الحزم»، قلبت المعادلات. كانت إيران تصول وتجول في المنطقة من صنعاء الى دمشق مروراً ببغداد وصولاً الى بيروت، بحرية كاملة، حتى بدا الجنرال قاسم سليماني وكأنه الجنرالان غازي كنعان ورستم غزالي في عزهما بلبنان «كلمته لا تصير اثنتين». لا شك أن هذا التطور الى جانب اقتراب لحظة التوقيع على الاتفاق النووي قد رفعا منسوب الشعور بالانتصار والتفوق لدى إيران، الى القمة وجعل انتقاله الى الحلفاء و»المماليك» الجدد بسرعة قياسية، ولتقدير حجم هذا الشعور يكفي سماع قراءة بعضهم لما يجري في ظل «عاصفة الحزم» وما بعدها. يقول هؤلاء:
*حتى الآن جرت بين إيران والسعودية حروب غير مباشرة وبالوكالة. الخطر الآن أن تقع الحرب المباشرة بينهما مما يجعل المنطقة كلها في مهب رياح هذا التطور ونتائجه.
*إن الرئيس باراك أوباما الذي سيلتقي قادة دول الخليج العربية وعلى رأسهم الملك سلمان بن عبد العزيز سيؤكد لهم أن بلاده تضمن أمن دولهم واستقرارها لكن كل ما هو خارج حدودهم ستترك حرية التصرف فيه لإيران، لأنها ستخوض حرباً طويلة ضد «داعش». إيران من منطلق سياسي وفكري وديني «مقاتل شرس» ضد «داعش».
لكن حتى الشعور بالتفوق، يوقظ لدى البعض من الحلفاء الناشطين وليس «المماليك»، تساؤلات عن معنى الانخراط في حرب طويلة تستنزف كل التوجهات الايرانية الى جانب قدراتها وطاقاتها؟ وماذا عن فلسطين، وخصوصاً أن ما يقلقهم الكلام المسرب من أن مستقبل فلسطين والفلسطينيين جزء من الصفقة الكاملة بين واشنطن وطهران؟
فلسطين «ثغرة» كبيرة في طموحات «الحلفاء» لكنها تبقى مؤجلة ومن المفاعيل على المدى الطويل، لكن ماذا عن الملحّ وهو سوريا؟
يعترف هؤلاء أن الملف السوري قد تراجع عند الإيراني مسافة طويلة خلف اليمن. طهران «مهمومة» باليمن، في وقت تبدو «مأزومة» في سوريا، لأن النظام الأسدي كله يتراجع بسرعة من حيث تركيبته العسكرية والأمنية والاقتصادية والتمويلية، ولم يعد من السهل مساعدته على الوقوف في وقت تتقدم المعارضة تنظيميًّا وتوحيديًّا وميدانيًّا الى جانب بداية مسار توحيد الدعم الخارجي لها.
وقوع اشتباك مباشر بين السعودية وإيران كما كان الجنرال جعفري قائد الحرس الثوري قد «بشّر» به ضمناً قبل أشهر عندما دعا «جنوده للتحضر لحرب قاسية مع دولة عربية على مثال الحرب مع العراق»، يعني في النهاية أن على القيادة الايرانية التحضر «لشرب كأس السم»، لأنه لن تترك السعودية تخوض الحرب وحيدة. الأخطر ان مثل هذه الحرب ستستنهض كل المشاعر السنية كما لم يحصل في الحرب مع العراق، لأنه منذ أربع سنوات والوقود المذهبي يُرمى على هذه النار.