Site icon IMLebanon

إيران.. نعشان لمأساة واحدة

قافلة مقاتلي «حزب الله« والميليشيات العراقية والإيرانية تواصل سقوطها في سوريا. مواكب التشييع تتنقل من قرية الى أخرى ومن مدينة الى مدينة ومن بلد الى آخر. الجمهور يحزن، يبكي فقيداً، رفيقاً، عزيزاً، أخاً، لكنه يصبر أو يدّعي الصبر. فهناك من أوهمه أن الحياة الدنيا لا تسع له وللآخرين على أرضٍ واحدة. هناك من طالبه بأن يموت «نصفه أو ثلاثة أرباعه»، ليموت الآخرون في الجهة المقابلة. هناك من سوّغ له انشغاله بالحروب الداخلية، وتحويل سلاحه الى أبناء جلدته بحجّة «الدفاع عن الأرض والعرض والدين»! لكن حزن أطفال هذه البيئة أصدق من حزن الكبار فيها. حزنٌ يخلو من أيّ عناوين وتسويغات وخلفيات دينية وايديولوجية.

بالأمس، شيّع العراقيون واحداً من عناصر عصائب اهل الحق المواليه لإيران، ممن سقطوا على «طريق القدس» في سوريا. المشهد لم يكن جديداً، لكن الصورة المأسوية لطفلٍ يحتضن نعش والده وهو يصرخ ويبكي فقيده، ذكّرت اللبنانيين بصورة الطفل اللبناني، ابن بلدة كفرتبنيت الجنوبية، وهو يبكي ويعانق نعش اخيه (محمد قاسم ياسين) الذي قضى في معارك القلمون. الطفلان صادقان. دموعهما صادقة وتخلو من أي حقد، أقله حتى لحظة التشييع. فلا علم للطفلين بالحروب المقدسة. لا خلفية لهما بالتسويغات والعناوين والرايات السوداء والخضراء والصفراء والدين والأدلجة. لا يعلمان ما هو «طريق القدس»، وربما لا يعلمان أين تقع القدس. لا علم لهما بالحروب التي راح ضحيّتها مئات آلاف العرب، ولا بأسبابها. لا يعلمان بحججٍ أُطلقت لتبرّر محاصرة مضايا والزبداني وبقين وبتجويع أهلها، ولا بأسباب تدمير القصير وحمص والقلمون وبتهجير أهلها الأصليين. لن يفهما كل ما تقوله «المنار« و«الكوثر« و«المسيرة« وغيرها من القنوات التلفزيونية التي تكرّس ثقافة «الموت لنا عادة». لا علم لهما بمعنى «الدين المحمدي الأصيل»، الأصالة التي تطرح نفسها هنا نقيضاً للحداثة، ليس لشيء، فقط لتحكمها مشاريع هنا ولتغيّر باللحم الحي مسار مفاوضات هناك. لا يعلمان لماذا فقد أطفال سوريون بعمرهما آباءهم وإخوانهم تحت ركام البراميل المتفجرة. الطفلان صادقان. يشعران بأنهما فقدا عزيزاً وجبلاً يسندهما في الحياة، ليس إلا. لا يعرفان معنى أن تتكفل إيران، بمالها النظيف الطاهر، بأبناء وعوائل من قضوا في حروبها. لا يهمهما من أين يأتي المال ليُكملا تعليمهما، ولا من أين يأتيان بالمأكل والمشرب والملبس. الأموال الطاهرة لا تعوّض حنان الأب والأخ الأكبر. الحنان لا يأتي بظرفٍ مغلق آخر الشهر. يحلم الطفلان بمنزل عائلي متكامل. بدراسة وبدعم دراسي. إذا رسبا يتلقيان توبيخاً من أب وأخ يكترثان لمستقبلهما. وإذا نجحا، يهرعان الى حضن الوالد ليشترطا حجم الهدية وثمنها.

يتشارك الطفلان الحزن نفسه مع أطفال سوريا والعراق والمنطقة. جميعهم لا يعرفون شيئاً عن الحروب المقدسة. لكن ما قبل دموع التشييع ليس كما بعدها. يكبر الطفل الشيعي على مقولة إن «السوري قتل والدك – أخاك»، ومثله أطفال سوريا في الداخل والشتات ممن يكبرون على حقيقة أن «حزب الله« هجّرهم وقتل آباءهم. يكبر الطرفان على الحقد والتطرف. أي جنون استجلبه «حزب الله« الى مستقبل أطفال البيئتين في منطقة باتت تُعلن فيها الفدراليات «على طريق القدس»؟