مهما فعلت الولايات المتحدة الأميركية للبنان ومهما ساهمت في تسليح “الجيش الوطني” وتدريب وحداته، ومهما قدمت الوكالة الأميركية للتنمية من مساعدات وهبات، ومهما موّلت مشاريع في الجنوب والبقاع وسائر الوطن، ومهما وفّرت من منح دراسية لطلّاب لبنان بمعزل عن انتماءاتهم الطائفية، ومهما عبّدت الطرق لتأمين استجرار الغاز للبنان مروراً بسوريا المُعاقبة بموجب قانون قيصر، ومهما توسّطت لمساعدة الدولة في استعادة حقوقها البحرية وترسيم حدودها، ومهما شجعت على احترام المبادئ الديموقراطية… ستبقى في نظر المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية ” الشيطان الأكبر” و”أم الإرهاب” و”راعيته” و”مصدّرته” وسيظلّ جمهوره يهتف ملء الحناجر “الموت لأمريكا” إلى أن تصدر فتوى من الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحرّم استعمال هذا الشعار الإيديولوجي، لانتهاء أو انتفاء صلاحيته!
في العام 2016 خطا المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، خطوة في هذا الإتجاه، ففي مناسبة “اليوم الوطني لمواجهة الاستكبار” قال إن شعار “الموت لأمريكا” الذي يطلقه الشعب الايراني لا يعني الموت للشعب الأمريكي، بل “الموت لسياسات أمريكا والموت للاستكبار العالمي”. ما يعني أن الشعب الأميركي الطيّب يستحق الحياة، فيما يستحق صانعو سياسة الدولة الأقوى في العالم الموت رجماً! وقد يأتي يوم ويطلع المرشد الأعلى بتفسير متقدّم أكثر، تمهيداً لنعت الأميركي بـ”الأخ الأكبر”.
إلى أن يأتي هذا اليوم، سيبقى مرشد الجمهورية اللبنانية، على موقفه المعادي لأميركا والسعودية ومن تعاديها طهران. وستبقى جرأته عابرة للحدود، لا تقيم وزناً لمصالح اللبنانيين ولا لسياسة الحكومة الخارجية، وهو فيها الشريك القوي، لا بل صاحب الكلمة الفصل في مسارها: إن قال تمشي تستعد عقد جلساتها، وإن قال ستبقى معطّلة يكن له ما يشاء.
يتمتع المرشد الأعلى بجرأة القول في التصدي لأمم الأرض قاطبة ما عدا إيران وسورية الرائدتين، بين الدول، في مجال حقوق الإنسان والديموقراطية وتوفير مسببات السعادة لشعبيهما، ويحتفظ بتقدير خاص لكوريا الشمالية وفنزويلا والصين الكافرة! والجرأة في القول والفعل، تحرر المرشد من أي مسؤولية تجاه اللبنانيين الذين يجدون في “حزبه” دولة ضمن الدولة، وبعضهم يقول فيه ما تقوله أميركا، لا استتباعاً أو تأثّراً بالعقل الأميركي الشرير، بل انطلاقاً من قناعة ذاتية خالصة. وفي ذكرى اغتيال اللواء قاسم سليماني بالغ “المرشد” في رفع سقوف المخاطر، إلى درجة أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المسالم والمتفهّم والساعي دوماً إلى تجميل صورة “حزبُ الله” خرج عن طوره.
وإنه لأمر عُجاب أن أحد قطبي “الثنائي الوطني”، المنصهر سياسياً و”مقاومتياً” والذائب ببعضه عشقاً، يقيم أفضل العلاقات مع مبعوثي الشيطان وسفيرته، وممثلي الإرهاب الخليجي، ويلتزم أقصى درجات الصمت تجاه جرأة القطب الآخر، الأقرب إلى التهوّر!