لأن ماُيسمى «حركة الإصلاح الإيرانية»٬ التي تضم عدًدا من التكتلات السياسية ذات الميول والملامح اليسارية٬ من بينها: جبهة الثاني من خورداد٬ وجبهة المشاركة الإسلامية٬ ومجمع علماء الدين المجاهدين٬ ومنظمة مجاهدي الثورة الإيرانية٬ وثلاثة عشر تكتلاً آخر٬ معظمها مجرد عناوين بلا أي محتوى فعلي وحقيقي٬ قد حققت٬ بقيادة كٍّل من الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني٬ تقدًما حقيقًيا في الانتخابات الأخيرة٬ الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء٬ فإن هناك٬ من العرب والإيرانيين وغيرهم٬ من ذهب بعيًدا في توقعاته وأخذ يتحدث٬ منذ الآن٬ حتى قبل الانتخابات التكميلية التي من المنتظر أن تجري أولاً في أبريل (نيسان) وثانًيا في مايو (أيار) المقبلين٬ بعهد جديد في جمهورية إيران الإسلامية نفسها وبعلاقات واعدة مع الجوار العربي ومع الدول العربية القريبة والبعيدة.
فهل هذا التفاؤل «الطافح» في مكانه فعلاً٬ انطلاًقا من المثل الشائع القائل: «تفاءلوا بالخير تجدوه»٬ أم أن كل هذه التوقعات هي مجرد أضغاث أحلام٬ وأن حليمة ستبقى على عادتها القديمة»٬ وأن التجارب من المفترض أنها عودتنا كعرٍب كما عودت «أشقاءنا» الإيرانيين على أن المراهنة على أي تحولات إصلاحية بالنسبة لهذا النظام٬ المستمر في خط تصاعدي متطرف ومتشدد منذ فبراير (شباط) عام 1979 وحتى الآن٬ هي مراهنة فاشلة٬ وهي في غير مكانها٬ وأن هذا الفوز الذي حققه الرئيس حسن روحاني ورفيق دربه هاشمي رفسنجاني لن يكون٬ بداية ونهاية٬ إلا كذلك الفوز الذي كان حققه محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي.. وأيًضا رفسنجاني نفسه٬ هؤلاء الذين كانوا وربما ما زالوا يعتبرون رموز ماُيسمى اليسار الإسلامي وقادة ماُوِصَف بأنه حركة الإصلاح الإيرانية.
والمعروف أن اثنين من رموز هذه المجموعة٬ التي اعتبرت أن فوز حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني فوز لها٬ هما مير حسين موسوي ومهدي كروبي٬ رهن الإقامة الإجبارية أو الاعتقال المنزلي٬ وأن محمد خاتمي قد أصبح بلا أي تأثير في الحياة السياسية الإيرانية٬ وأن ما يسمى بـ«اليسار الإسلامي» غدا مثله مثل الحركة التروتسكية٬ أي مجرد كلام في كلام ومجرد «تحشيش فكرٍّي»٬ وحقيقة٬ فإن هذه الظاهرة كانت قد انتعشت كثيًرا في منطقتنا العربية قبل أن يداهمها ما يسمى «الإسلام السياسي» الذي توكأ هو بدوره٬ إلى أن وصل إلى ما وصل إليه٬ على عصا الخميني وعلى مِّد الثورة الإيرانية.
وبالطبع٬ فإن بعض الأصدقاء من المثقفين الإيرانيين الذين غادروا إيران طوًعا وباتوا يعيشون على أرصفة الغرب الأوروبي انتظاًرا لانتصاٍر كهذا الانتصار الأخير الذي حققه ما يسمى «اليسار الإسلامي»٬ وحققته «حركة الإصلاح الإيرانية»٬ لم يأخذوا العبرة من تجارب مماثلة سابقة٬ كان عنوانها مير حسين موسوي٬ الذي بقي رئيًسا للوزراء خلال كل سنوات الحرب العراقية الإيرانية٬ ومحمد خاتمي وهاشمي رفسنجاني هذا نفسه٬ وأيًضا مهدي كروبي٬ وبدأواُيحِّضرون أنفسهم لعودة مظفرة إلى بلادهم التي من المنتظر بعد كل هذا الفوز الذي تحقق «أن تمتلئ عدلاً بعدما امتلأت جوًرا وظلًما» منذ فبراير (شباط) عام 1979 وحتى الآن.. حتى هذه اللحظة.
وحقيقة أنه على هؤلاء الأصدقاء الأعزاء أن يأخذوا بعين الاعتبار٬ قبل أن يغرقوا في أحلامهم الوردية٬ أن رئيس القضاء الإيراني قد أطلق تصريًحا «عنى فيه ما عناه»٬ فور الإعلان عن الانتصارات «الكاسحة»!! التي حققها حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني٬ قال فيه من قبيل التهديد والوعيد: «لقد نّسق الإصلاحيون مع أجانب لمنع فوز المتشددين»٬ وهذا حسب التجارب المرة المتلاحقة منذ عام 1979 أن الأيام المقبلة بالنسبة لماُيسمى «اليسار الإسلامي» و«الحركة الإصلاحية الإيرانية» لن تكون سمًنا وعسلاً٬ وبالتالي فإن عليهم أن يبادروا ومنذ الآن إلى حجز أمكنة لهم في المكان الذيُيحتجُز فيه الآن مير حسين موسوي٬ والمكان الذي يحتجز فيه مهدي كروبي.. وأيًضا في المكان الذي يقيم فيه محمد خاتمي٬ وكل هذا إن هم لم يبادروا ركًضا للارتماء في أحضان حراس الثورة بقيادة الجنرال محمد علي جعفري.
عندما لم يستطع هذا النظام الاستبدادي المخابراتي والعسكري٬ الغارق في التطرف والتشدد حتى ذروة عمامة الولي الفقيه علي خامنئي٬ احتمال حسن الخميني٬ حفيد الإمام روح الله الموسوي الخميني صانع الثورة الإيرانية وقائدها وملهمها٬ واستبعاده٬ ومنعه من خوض معركة انتخابات مجلس الخبراء؛ فهل يظن حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني أنه سُيسمح لهما بأن يحققا أي إنجازات إصلاحية٬ وأن يتركهما المتشددون الذين بادروا فور إعلان فوزهما وفوز من معهما من التيار نفسه إلى هز العصا الغليظة أمام أنفيهما٬ والقول: «إن الإصلاحيين قد نسقوا مع أجانب لمنع فوز المتشددين».
لقد تواطأ هذان «الإصلاحيان»!! حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني٬ وسكتا سكوت أهل القبور على إعدام آية الله العظمى شريعة مداري دون أي محاكمة٬ وبتهم باطلة٬ وهما سكتا أيًضا على تصفية آية الله العظمى حسين منتظري٬ جيفارا الثورة الإيرانية٬ بالسجن المنزلي وبمنع الأدوية عنه٬ وبالتالي بالأزمة القلبية٬ والسبب هو أنه خالف الخميني ورفض الموافقة على ولاية الفقيه التي رفضها ولا يزال يرفضها آية الله العظمى علي السيستاني٬ والتي رفضتها أيًضا كل «المرجعيات» الشيعية العربية٬ حسن فضل الله ومحمد مهدي شمس الدين وعلي الأمين وهاني فحص وموسى الصدر.. وغيرهم في التاريخ البعيد وفي التاريخ القريب.
والغريب أن بعض العرب٬ سنة وشيعة٬ الذين رؤوسهم عندنا هنا وقلوبهم هناك عند أقدام علي خامنئي في طهران بل عند أقدام محمد علي جعفري٬ قد بادروا فور إعلان انتصار حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني إلى رفع راية الحجيج إلى طهران وقم٬ ورفع شعار «إنه عفا الله عما سلف»٬ وحقيقة أنه كان على هؤلاء أن يتريثوا قليلاً لـ«يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود» وليبادر هذان «الإصلاحيان»!! إلى الإقدام على خطوة نيات حسنة بإيقاف تدخل إيران في الشؤون العربية الداخلية٬ والانسحاب من العراق ومن سوريا ومن لبنان٬ وأيًضا من اليمن٬ ووضع حٍّد لتهديد الخليج العربي والاستعداد ولو مجرد الاستعداد للانسحاب من الجزر الإماراتية الثلاث٬ ولو من قبيل حسن النيات فقط.
إن هذه «الانتصارات» الخجولة٬ التي حققها «الإصلاحيان»!! حسن روحاني وهاشمي رفسنجاني٬ سُتستخدم بالتأكيد في التوازنات الداخلية لتحسين مواقع ما يسمى «اليسار الإسلامي» أو «الحركة الإصلاحية» في إطار القوى والاتجاهات والمحاور المتنافسة والمتصارعة داخل النظام نفسه٬ أما على الصعيد الخارجي فإن كل شيء سيبقى على ما هو عليه٬ بل والمؤكد أن التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية سوف تزداد سفوًرا بعد هذه الانتخابات٬ وحتى في حال اختيار بديل للولي الفقيه الحالي علي خامنئي.