هل يعلم المستمرون في تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية مصلحة مَنْ يخدمون من حيث يدرون أو لا يدرون ولا سيما منهم نواب موارنة وعلى رأسهم العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية؟
إن هذا التعطيل يخدم بلا شك مخطط إيران في لبنان والمنطقة بحيث انه يخيّر القوى السياسية الأساسية فيه بين انتخاب من تريد إيران رئيساً للجمهورية أو مواجهة الفراغ الشامل الذي لا خروج منه إلا بالاتفاق على دستور جديد لجمهورية جديدة بحدودها الحالية أو بحدود جديدة إذا ما تقرر تغيير حدود دول في المنطقة بجعل التعايش ممكناً ومستديماً بين مختلف مكونات كل دولة، وإلا ما معنى أن تسهل إيران تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس تمّام سلام، وتوافق على أن تكون حصة قوى 14 آذار فيها كبيرة مع إسناد حقائب مهمّة للوزراء الذين يمثلونها، ولم تشمل إجراء انتخابات رئاسية وفق الأصول الدستوريّة والديموقراطيّة.
لقد فعلت إيران هذا كي تستطيع عبر وجود حكومة من دون وجود رئيس للجمهورية أن تتحكّم بقراراتها وحتى بمصيرها من خلال وزراء “حزب الله” ومن معهم، وهو ما لا تستطيعه عندما يكون رئيس الجمهورية موجوداً على رأس الدولة لأنه يستطيع تشكيل حكومة جديدة كلما دعت الحاجة، وأن يدعو إلى إجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن بحيث تبدأ مع مجلس نواب جديد منبثق منها إعادة تكوين السلطة على أساس تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الثابت والدائم.
لذلك فإن إيران ستظل تعمل على عرقلة انتخاب رئيس للبنان من خلال تعطيل نصاب الجلسات الى أن تقبض الثمن دوراً ونفوذاً لها في المنطقة، وهو ما لم تحصل عليه حتى الآن. فإذا كانت إيران تعمل على إبقاء لبنان على شفير الهاوية، فإن الدول الشقيقة والصديقة له تعمل على توفير أسباب الصمود له خلال فترة الانتظار بجعل الأمن فيه معقولاً ومقبولاً وحركة الاقتصاد والمال والأعمال محافظة ولو على حدّها الأدنى الى أن يتم الحل الشامل لأزمات المنطقة ولا سيما في سوريا. فإذا كان هذا هو مخطط إيران من خلال استمرارها في تعطيل الانتخابات الرئاسية، فما هو مخطط المستمرين في هذا التعطيل المرفوض من غالبية الشعب اللبناني وقادته؟ أفلا يسألون أنفسهم إلى أين يذهبون بلبنان بابقائه من دون رأس بعدما أصبحت الصورة واضحة والحل معروفاً وهو أن ينزل النواب المقاطعون إلى المجلس، ولا سيما المرشّحان عون وفرنجية، لانتخاب أحدهما رئيساً إذا لم يتفقا على انسحاب أحدهما للآخر، أو الاتفاق على مرشّح ثالث يفوز بشبه اجماع، وهو ما يحتاج إليه لبنان في الظرف الدقيق الراهن. فهل يقدم عون أو فرنجية على كسر حلقة التعطيل بالحضور إلى المجلس وترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مجراها وانتخاب من لا يشكّل انتخابه كسراً لأحد؟ وهل يقدم عون أو فرنجية على هذه الخطوة الوطنية خدمة للبنان بعدما أصبح الاستمرار في تعطيل النصاب خدمة لخارج وتحديداً لإيران؟
ثمة من يقترح إحراجاً للمعطلين وكشفاً لحقيقة نياتهم عقد جلسة لإقرار مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية من بين المشاريع الموجودة لدى المجلس، لأن ثمة كتلاً رئيسية تعهدت عدم حضور أي جلسة تشريعية إن لم يكن على رأس جدولها هذا المشروع، والافادة من اكتمال نصابها لعقد جلسة تليها تخصص لانتخاب رئيس للجمهورية، فيكون قد تم في يوم واحد إقرار مشروع مهم هو مشروع جديد للانتخابات النيابية وانتخاب رئيس للجمهورية، سواء بدأت الجلسة الأولى بانتخاب رئيس أو بإقرار مشروع جديد للانتخابات لأن الأمرين باتا متلازمين ولأنه لم يعد معقولاً ولا مقبولاً أن يظل لبنان بلا رئيس لغاية في نفس إيران أو في نفوس حلفائها الذين يبدو أن بعضهم يفضل مصلحتها على مصلحة وطنهم… وإذا كان هؤلاء الحلفاء لا يسمعون سوى كلمة ايران فإن محاولة اقناعهم بحضور جلسة انتخاب رئيس للجمهورية هي مضيعة للوقت، وليس سوى محاولة اقناع إيران بذلك لأنها المحاولة الممكنة، وليس سوى أميركا وروسيا معاً من يستطيع ذلك. فهل تقدمان إذا كانتا تريدان فعلاً لا قولاً الاستقرار الثابت والدائم للبنان؟