تخوض إيران اليوم حروباً بالواسطة فوق ساحات الشرق الأوسط، تحت غطاء القضية الفلسطينية؛ من غزة إلى لبنان، إلى اليمن فالعراق… من دون أن تستخدم آلتها العسكرية مباشرة في هذه الحروب، أو يسقط لها أي جندي فوق هذه الساحات وحولها، أو ضد أي عدوٍّ من أعدائها المعلنين. لا بل رأيناها تتبرّأ من تحالفاتها، خوفاً من تحمُّل تبعات هذه الحروب. باختصار هي تقاتل بالعرب للإستثمار في طهران. فما هي نتائج هذه الحروب؟
في غزة وجّهت «حماس» ضربة موجعة ومفاجئة للعدو، وفي اليوم التالي بدأت تطالب بوقف لإطلاق النار. يبدو أنها لم تتوقع ردات فعل العدو! اكتسب أطفال غزه وقضيتهم تعاطفاً شعبيّاً جارفاً عربيّاً ودوليّاً، لكنّها خسرت هي كمنظمة نصرة العالم العربي والأسرة الدولية؛ أهكذا تُخاضُ الحروب إرتجاليّاً! وغداً عندما تنتهي هذه العمليّة، سوف يسأل الغزيون أنفسهم: ماذا حققنا بعد تدمير غزة كليّاً ومقتل أكثر من 27 ألف مواطن وإصابة حوالى مئة ألف آخرين وتشريد أكثر من مليوني غزاوي؟ فهل يستأهل إطلاق سراح مئات المسجونين في إسرائيل كل هذه التضحيات! ليس هكذا تُخاضُ الحروب.
في جنوبي لبنان، بادر «حزب الله» إلى مهاجمة إسرائيل لتحقيق هدفين: الأول دعم غزة لخدمة وحدة الساحات، والثاني خوض هذه الحرب والحفاظ عليها بوتيرة متدنية متفادياً التصعيد والحرب المفتوحة. لكن السؤال: من قال إنّ العدو الذي «تحركش» الحزب به سيحافظ على هذه الوتيرة؟ ومن قال إنّ هذا المستوى يناسب مصالح العدو؟ وهل ينجح «الحزب» في الحفاظ على هذه الوتيرة؟ كانت ردة فعل العدو مغايرة تماماً لما خطط له «الحزب»؛ فكانت النتيجة، تدمير البيوت والأرزاق وقتل وتشريد مئات الآلاف، وهو يهدّدُ اليوم بفرض شروطٍ أقسى، بينما لا يزال «الحزب»، وهو مُحِق، يتحاشى التصعيد خوفاً من الأعظم؛ وهذا دليل على أنّ «الحزب» أخطأ في توقع ردات فعل العدو، التي تعتبر، (أي ردات فعل المتوقعة للعدو على كل عملية عسكرية) أول دروس تعليم الحروب.
ليس هكذا تُخاضُ الحروب في ظلِّ غياب وحدة داخلية وتوافق وطني على خوض هذه الحرب. وغداً، بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، قد يفاجئ «حزب الله» اللبنانيين بـ»النصر» الجديد على العدو، على أنقاض خسائر وويلات الجنوبيين واللبنانيين، وتحويل هذه المآسي إلى «نصر» في الداخل اللبناني، متناسياً كل المآسي والويلات التي ضربت الجنوب ولبنان كله. وهكذا يمكن القول إنّ «الحزب» فشل في دعم غزه كما فشل في منع العدو من تصعيد وتيرة الحرب.
في اليمن، ماذا فعل الحوثيون؟ من أجل سفينة مدنية اختُطِفت حتى الآن، قد تكون إسرائيلية أو لا، وتحولت معرضاً لليمنيين للإحتفال بـ»النصر»؛ ومن أجل بعض الصواريخ على السفن التجارية الدولية فوق مياه البحر الأحمر؛ أدخلوا أنفسهم وحيدين في حربٍ كونية مسرحها شواطئهم الغربية والجنوبية. فهل هم مدركون لما قد ينعكس عليهم من تحالفات عسكرية دولية، وردات فعل مدمرة وقاتلة! وهل تعوِّض عليهم مصادرة سفينة تجارية، الخسائر والنكبات التي قد تنتج عن هكذا مغامرات؟ وبماذا أفادوا غزة، سوى استدراج «أرمادا» عسكرية على شواطئهم قادرة على تدمير اليمن؟
الحروب التضليلية التي تقودها إيران بالواسطة فوق الساحات العربية، تبرأت منها إيران مع الطلقة الأولى فوق كل من هذه الساحات. هي تقاتل ببعض الشعوب العربية للسيطرة على كلِّ الشعوب العربية؛ كل ذلك باسم فلسطين من دون أن يسقط لها أي جندي إيراني فوق أرض فلسطين أو حولها. بالمناسبة، حتى الفلسطينيون لم يحققوا مكسباً «محرزاً» من ممارسة العنف، بقدر ما حققه أطفال فلسطين بحجارتهم طيلة خمس سنوات، أجبروا بعدها إسرائيل على الذهاب إلى أوسلو لتقديم أول التنازلات.
تقاتل إيران بالشعوب في غزة وجنوب لبنان واليمن والعراق، لتفاوض باسم هذه الشعوب على المكاسب، التي تبقى إيرانية بامتياز. وهكذا تستمر نتائج هذه الحروب سلبية بانعكاساتها على الساحات الفلسطينية والعربية.