Site icon IMLebanon

إيران عندما تتشاوف!

يمكن إيران أن تتفاخر بشطارتها في تركيب طموحاتها السياسية فوق هويتها المزدوجة القومية والمذهبية، وفي إبداء استعدادها المفتوح لأن لا تأخذ في اعتبارها إلاّ مصالحها وغاياتها واهدافها، وأن تستمر في تقديم أداء انتهازي لا سقف له.. لكنها في الإجمال لا يمكنها أن تتفاخر بالعيّنات التي اختارتها كعناوين محلية متفرقة لمشروعها ونفوذها في مجمل الهلال المدّعى فوق المنطقة العربية.

التركيبة التي حكمت العراق وتحكمت به وبأهله والتي قادها نوري المالكي على مدى ثمانية أعوام، قدمت أسطع مثال ممكن عن ازدواجية الفساد وقصر النظر. وعن تحكّم غريزة التسلّط بكل عصب يتحرك فيها. وعن الغلاظة الذهنية التي جعلت من «الثأر» التاريخي المذهبي مشروعاً سياسياً آنياً! ومن الابتذال عدّة التبليغ، وصولاً بالأداء الى حد جعل العراقيين يتحسرون (حرفياً) على أيام صدام حسين!

تلك التركيبة مالكية العنوان إيرانية المضمون، وبها وصل العراق الى ما دون مستوى الدول الفاشلة، وتحوّل الى واحد من أخطر مسارح العدم والعبث في هذا العالم.. ولأنه صار كذلك تماماً بتاتاً، أمكن طهران أن تدّعي فيه ما ليس لغيرها، من دون التوقف عن مفارقة انحطاط رموز نفوذها وادعاءاتها تلك!

وبالقرب من العراق، تقدم التركيبة الأسدية مثالاً أكثر انحطاطاً عن ازدواجية العنف والنهب.. تبزّ الصنو المالكي بفساد مؤدلج، وبأداء مافيوي رسمي ومقونن، وبعدّة تبليغية تجمع المعطى المذهبي الأقلوي بخواء حزب هو المثال المجسِّد للتناقض الفج بين الشعار والممارسة والفكرة وحامليها، ولا تخرج محصلة نتاجه عن الكارثة التامة.

تلك التركيبة الأسدية العنوان، صارت في العرف الإيراني امتداداً لدولة «الولي الفقيه» وعنواناً لـ«قدرة» طهران على مد النفوذ وتصدير البضاعة التي تنتجها مصانع التنوير والحداثة التابعة لها.. ولأنها في حراكها، حوّلت «الأسدية» سوريا الى مقبرة مفتوحة، أمكن إيران ويمكنها أن تدعي فيها ما ليس لغيرها، وأيضاً، من دون التوقف عند مفارقة انحطاط رموز نفوذها وادعاءاتها تلك.

في لبنان تحكّمت التركيبة بالمركّب! ولم تستطع طهران (ولن تستطيع) الذهاب في ادعاءاتها فيه مثلما تفعل في العراق وسوريا.. نقاط الضعف المتأتية من تحويل المعطى الإيجابي الخاص بالتنوع والتعدد الى معطى سلبي على صعيد الدولة ومؤسسات الحكم، هي ذاتها نقاط القوة التي تحصّن الكيان الوطني إزاء قدرة الخارج (أي خارج) على إحكام السيطرة عليه، أو ادعاء قدرات أبعد مدى من حدود التأزيم والتعطيل.

في السياق اللبناني هذا، لا يمكن إيران أن تعدّل في صورة كونها عنوان أزمات تحور وتدور حول حالة حرب أهلية باردة، أو فتنة «على الناشف»! أي ليست مبلولة تمام البلل بالدم! ولا يمكنها التشاوف كثيراً في أن أتباعها عرفوا كيف يقدّمون أي شيء خارج مدونة السلوكيات المذهبية والأزمات والتوتير والورطات والتخريب وإضعاف النظام وضرب مؤسسته وإشاعة العسكرة في إجتماع مديني مدني..

في اليمن، يعجز التوصيف عن التقاط جلّ المشهد! لكن العناوين لا تبتعد عن الخراب والكوارث وحقول الموت المفتوحة، ولا عن وضع الحوثي والمخلوع علي عبد الله صالح في خانة واحدة مع التركيبتين المالكية والأسدية، وعلى بعد خطوة واحدة من التركيبة الممانعة في لبنان التي يقودها «حزب الله»!

بماذا تعير إيران العرب والمسلمين؟! بسياساتها وأدائها، أم بمريديها وحلفائها؟! أم بكونها الأكثر صياحاً فوق الركام؟!

(هذا النص مستعاد)