IMLebanon

إيران لن تنتصر ونحن متحدون

 

< الصراع المذهبي، وخصوصاً الإسلامي، بين الدول ليس وليد هذا القرن، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتاريخ الإسلامي في كل عصوره، ولاسيما الصراع الشيعي – السني، الذي حمل بين طياته أكثر من وجه قبيح لمآس لم تزل متلبسة بثقافتنا ووعينا العقدي، الذي بات معه تقويمنا للآخر منسوباً بانتحال كامل ومستتب لوشائج ذلك التاريخ الملوث بالدماء، التي تنام ذاكرتها وتصحو معنا، في الوقت الذي دفن العالم كل حروبه والجرائم الفظيعة البشعة التي ارتكبت بحق الإنسانية، مع كل المخاوف المستبدة بالقلوب، بل بالعقول، لانجراف عالم اليوم نحو تطوير ترسانته العسكرية، تصاعدت معها وتيرة لغة التهديد والوعيد، المخاوف التي تحيط بعالمنا العربي والإسلامي تحديداً الالتصاق بلوثة النزاع المذهبي الذي لا يعي تماما لغة المصالح الوجودية للعالم الأول المتسيّد على الكرة الأرضية، ويفهم جيداً أن حروبه لا يمكن أن تدخل حيز المحتمل، ناهيك عن السعي إليها، ما دامت قادرة تماماً على ضبط النفس وتحصيل مصالحها بواسطة حروب الوكالة أو السوق الأوسع لتسويق منتجاتها من السلاح.

 

 

في الشرق الأوسط تورطنا حقيقة في لعبة هذه التجاذبات، بما يشبه شد الحبل، لإيقاعنا في الصراع المصنوع على حس المذهب المستجرح الدامي المستجد، الذي فتقته أخيراً إيران بصياغتها «المعممة» الحديثة، أو ما يسمى بدولة «ولاية الفقيه»، ليعود الوجه القبيح للصراع المذهبي، الذي كنا قبلها خلناه اندثر إلى غير رجعة، وكانت فاتحة لبداية قرن جديد من الصراعات فتحت شهية الممذهبين منتحلي وسم التاريخ الملوث بالدماء، لاستعادة الطموح بتأسيس دولة شيعية توسعية معتمدة على تطوير مفاعلاتها النووية، لن يقف دون هذا الطوع عقل يقيس مغامرة الحرب والسلم على ميزان المصالح، بل جنون استعماري مذهبي يرى الآخر لوثة بشرية تجدر إزالتها عن وجه الأرض، هذا التطلع النازي لدى «ذوي العمائم» مسكون بحلم قديم مؤسس على أرضية انتقامية ممنهجة.

 

 

السؤال هنا؛ كيف يمكن للدول المستهدفة حماية نفسها، بما يواكب ويردع هذا الطموح، من دون أن تدخل في مواجهة محتملة مع هذا العدو المتربص الذي لن يستطيع، فيما لو وقعت هذه الكارثة، كبح جماح حربه المقدسة ما لم يتحقق له هذا الطموح؟ هل ستتجه هذه الدول إلى قرع طبول الحرب والتعجل في تقريب مداها، أم أنها ستحاول جاهدة قراءة واقعها وتقويمه عسكرياً قبل البدء في قرع طبول الحرب، أو إعطاء الدخلاء ذريعة من نوع ما ليقرعوها نيابة عنهم، ويعجلوا بوقوع الكارثة؟ الخليج العربي، الذي ما تزال إيران تسميه الخليج الفارسي، هو نصب أعين ملالي طهران وطغمتها الفاسدة، بعدما تأكدت من نجاحها باقتحام العراق وسورية واليمن، وتندس اليوم عبر بوابات الخلافات الخليجية كي تضع لوثتها في بعض من جسدنا الخليجي، وتفتق عبر أجزائه الهشة ثغرة للنفوذ إلى عمق الخليج. نعم، هُزمت إيران في حرب الخليج الأولى بدعم خليجي مكثف للعراق، وهي ترى أن هزيمتها كانت موقتة، وترى أن انتصارها الحقيقي في قدرتها على هزيمة صدام حسين وحرسه الجمهوري. لا أعتقد أن أحداً يجهل أيادي ايران الخفية لسقوط العراق الكارثي بأيدي الأحزاب الشيعية ذات الارتباط المجاهر به لإيران، كحزب الدعوة وغيره من الأحزاب، التي سارعت في العمل على الانقضاض على المشهد البائس، الذي كانت تمر به العراق، والتسيد عليه، وتدفع بكل قوتها لمسرحة الأحداث وفق ما هو موجود في الخطة الإيرانية، وتدفع به نحو ما يخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حتى تحقق لها الوجود الكامل من دون منازع.

 

 

أعيد السؤال كرة أخرى؛ كيف يمكن لدول الخليج الواقعة اليوم تحت المجهر الإيراني الخلاص من هذه الجرثومة السامة خلاصاً نهائياً من دون الدخول معها في مواجهة عسكرية مباشرة، على رغم أننا قد ولجنا بوابة الصراع مع ممثليها ووسطائها عسكرياً في اليمن، وقبلها في البحرين، وعملائها في السعودية، بينما ملالي طهران يتربعون فوق عروشهم مستمتعين تماماً بما يحدث، لا تتحرك فيهم شعرة ولا يهتز لهم جفن لصرعى حربهم بالوكالة، من اليمنيين الذين انقادوا لهم تحت مظلة المذهب ووعوده الفاشية، أو هرباً من مجاعة ماحقة، فهم ما بين موت حال وآخر مؤجل، نراهم اليوم كالجرذان أو النمل الأبيض ينخرون في طيات جسدنا الخليجي حتى يتماثل للسقوط بين أحضانهم، وقد رأينا أخيراً أحد المشاهد الحقيقية لمؤامراتهم، وكيف استساغت قطر الانجذاب التام للإرادة الإيرانية، أو بمعنى أصح الحاجة الإيرانية؟ كيف حدث هذا؟ وكيف سمح لهذا أن يحدث؟ اقتربت إيران من الخليج العربي، باستيلائها على طنب الكبرى وطنب الصغرى، والتصقت أكثر بتمتين العلاقات الإيرانية الخليجية، من خلال قطر وعمان إلى حد ما، واليوم يسعى ملالي طهران إلى التأثير بأكثر من وسيلة تكتيكية خبيثة للوصول إلى العمق السياسي الكويتي، لإحداث شرخ من نوع ما يحتل فيها المسار الحربي في اليمن الأبرز فيه، وبدفع قوي من الاتجاهات الشيعية الموالية لإيران، أكرر السؤال الأهم؛ كيف سنواجه إيران مع كل هذه المعطيات الطافية فوق السطح السياسي المرئي؟ قد لا أجد إجابة أفضل من البدء فوراً بإعادة ترتيب الصف الخليجي ومراجعة الخطة السياسية، وفق رؤية منطقية مقبولة، لحل كل خلافاتنا العالقة، كي يتسنى لنا النجاح في تصفية الوجود الإيراني في المنطقة، عدا هذا سنكون عرضة لمزيد من الخلافات والانشقاقات التي ستُذهب ريحنا لا محالة، وتسمح بأن يتخطفنا أعداؤنا من كل الاتجاهات. فالوقت لا يسمح بمزيد من التراخي، فقط علينا أن نبدأ.