IMLebanon

الإيرانيون يُحرِّكون أوراقهم: نحن هنا!

 

ثمة استنفار غير مسبوق للمعسكر الإيراني أطلّت ملامحه في آن معاً، في لبنان والخليج العربي. وقد تكون هناك فصول أخرى في مناطق أخرى. الخبراء لم يُفاجَأوا بالتوقيت. فالإيرانيون في فيينا بلغوا مرحلة حسّاسة والوقت ضاغط عليهم، سواء بفشل المفاوضات أو بنجاحها. ولذلك قرَّروا التذكير: لدينا أوراقنا الفاعلة على كامل الشرق الأوسط.

في الأسابيع الأخيرة، برز اتجاه في واشنطن يدعو إلى حسم المفاوضات مع إيران في أي اتجاه، انطلاقاً من كون المماطلة هي الخيار المفضَّل لدى الإيرانيين.

ففي اعتقاد أصحاب هذا الاتجاه، أنّ المماطلة تتكفَّل بالحدِّ من الضغوط التي تمارسها واشنطن على طهران، وتتيح لها مواصلة التقدُّم في ملفّها النووي بعيداً من الأضواء. وفي هذه الأثناء، يبقى نفوذها مضموناً على امتداد الشرق الأوسط، بدءاً باليمن وانتهاء بلبنان، حيث تقف على تماسّ مع إسرائيل وتمسك بالبوّابة اللبنانية على المتوسط.

وهذا الاتجاه يلقى تشجيع الأوروبيين الذين يحبّذون العودة بالاتفاق النووي إلى ما كان قائماً قبل انسحاب دونالد ترامب منه. وطبعاً، هذه العودة كانت ملائمة جداً لإيران، إذ رفعت عنها العقوبات، وأتاحت لها استثمار المليارات المحتجزة، لتستكمل المسار النووي وتدعّم أذرعتها الحليفة في الشرق الأوسط. ولذلك، هي اليوم تناور في مفاوضات فيينا، حتى تتحقق لها العودة إلى هذا الحلّ.

لكن إدارة بايدن ليست متحمّسة لتسوية من هذا النوع، لأنّها ستكون بمثابة هزيمة لها أمام طهران، وسيرفضها الرأي العام في الولايات المتحدة. وحتى الذين اعترضوا على خطوة ترامب بالانسحاب من الاتفاق يومذاك، سيعتبرون العودة إلى الوضع السابق هزيمة غير مقبولة. والأرجح أنّ بايدن سيتشبَّث بتسوية «الخطوة مقابل خطوة»، بحيث يتمّ رفع الحظر بمقدار ما تتجاوب طهران مع الشروط الأميركية.

هذا الخيار يلقى تشجيع حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط. ومن الواضح أنّ هؤلاء وجدوا الظرف مناسباً لتقليص النفوذ الإيراني الذي يتهدَّدهم. وهذا تماماً ما يحصل في اليمن، حيث حقّق التحالف خطوات غير مسبوقة مع مطلع العام الجاري.

لقد تلقَّت طهران ضربةً سياسية في العراق، بالانتخابات. وفي سوريا، باتت الكلمة الأولى للروس. وفي غزّة، المواجهة خطرة مع الجانب الإسرائيلي لأنّها تفتح الباب للمجهول. لذلك، لا يزال أمامها سوى اليمن ولبنان.

وعندما تلقّت الضربة العسكرية في اليمن، أدركت أنّه لم يعُد أمامها سوى الاستنفار واستخدام كل الأوراق للدفاع عمّا بقي من نفوذها الإقليمي، واستثمار ذلك لدفع المفاوض الأميركي إلى القبول بأفضل الممكن في فيينا.

قرّر الإيرانيون تحريك أوراق اللعب الباقية أمامهم في الشرق الأوسط دفعة واحدة، وفي الاتجاهين: عرض الإغراءات حيث تقتضي المصالح ذلك، والتلويح بالقوة حيث يمكن أن يكون ذلك مُجدياً. ولذلك، أطلقوا في لبنان رسائل سياسية أثارت التساؤلات عن مغزاها.

لقد فوجئ الجميع بانتقال «حزب الله» إلى موقعٍ مَرنٍ إزاء الانتخابات النيابية واستعادة نشاط الحكومة والمجلس النيابي واستجرار الطاقة من الأردن ومصر اللذين يرتبطان باتفاقات في هذا الشأن مع إسرائيل، وسط كلام عن ليونة رسمية محتملة في ملف التفاوض مع إسرائيل، لا يقف ضدّها «الحزب»، بل يستثمرها لتخفيف الضغوط الدولية عليه وقطف الثمار في الداخل.

وأما في اليمن، فقرّر الإيرانيون تسديد ضربتهم في الإمارات، لكونها رأس الحربة في الهجوم الأخير في اليمن، مستفيدين من لحظة تهدئة نسبية على الخطّ السعودي، بعودة ديبلوماسييهم الثلاثة إلى جدّة. وقد وجدت طهران نفسها مضطرة إلى ممارسة حافة الهاوية في اليمن، لأنّ خسارتها هناك تعني خسارتها عاصمة أخرى من العواصم الأربع التي لطالما تباهت بأنّها «تتحكَّم بها»، بعد بغداد ودمشق، فلا يبقى منها سوى بيروت.

لكن الإيرانيين يدركون أنّ اللعب بأمن الخليج العربي يستتبع مخاطر كثيرة لا يستطيعون تحمُّلها، وقد تزيد في تعقيد علاقاتهم الدولية. ففي الخليج أكبر مخزونات الطاقة في العالم. وثمة تشابكات استراتيجية لا يمكن تجاوزها عند التلاعب بالأمن الخليجي. ولذلك، لن تُطيل إيران أمد أزمتها مع الإمارات، لكنها ستحاول المقايضة من أجل تخفيف الضغط عن حلفائها في اليمن.

وفي الموازاة، ستعتمد أسلوب المداراة والمقايضة في ما يتعلق بالملف اللبناني لئلا ينتهي بها المطاف إلى تسجيل خسائر. وحتى إشعار آخر، يبقى «حزب الله» هو الأقوى بين حلفاء إيران على امتداد الشرق الأوسط، ويبقى لبنان هو المكان الذي تمتلك فيه إيران أقوى نفوذ في المساحة الإقليمية.

وثمة مَن يعتقد أنّ إيران لن تتورَّع عن عقد الصفقات في لبنان، من أجل أن تحافظ على هذا الامتياز، في المنطقة الأكثر استراتيجية في الشرق الأوسط. وهذا ما يمكن أن تُظهِرَه الأسابيع المقبلة، حيث الطاولات الإقليمية والدولية ستكون مفتوحة لبحث العديد من الملفات الساخنة.

وبالرسائل العسكرية أو السياسية، ستقول إيران للولايات المتحدة وإسرائيل والخليجيين معاً: نحن هنا في الشرق الأوسط، وجاهزون لكل الاحتمالات، للتسوية كما للقتال، فتعالوا إلى المقايضة!