تقنيّات “إسرائيليّة”- أميركيّة جديدة ومتطوّرة تفشل في أعتراض الطائرات المسيّرة؟!
هل عادت الامور الى “نقطة الصفر” في المنطقة؟ وهل سقط التفاهم الايراني- الاميركي الضمني لمنع الحرب الشاملة؟ وما هي المخاطر المرتقبة؟ هذه الاسئلة عادت لتتصدر المشهد العام المشتعل اصلا، بعد مصرع الرئيس الايراني ومرافقيه في حادثة تحطم المروحية، تزامنا مع تراجع واشنطن عن الوفاء بالتزاماتها لكبح جماح التصعيد “الاسرائيلي”، والذي ترجم برفض الورقة المصرية، والبدء بعملية عسكرية لقضم دموي ممنهج لمدينة رفح، وتحضير المناخات المؤاتية لحملة تطهير في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق، تشير مصادر ديبلوماسية الى ان واشنطن تخشى من انهيار مفاعيل الاجتماع البعيد عن الاضواء، والذي جرى مؤخرا بين ممثلين للولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان، لبحث احتواء التصعيد في الشرق الأوسط، ولهذا سارعت الى رفع مسؤوليتها عن حادثة تحطم المروحية، وضغطت على “اسرائيل” كيلا تخرج مواقف يمكن تفسيرها على نحو خاطىء، قد تؤدي الى انفجار لا ترغب في حصوله، اقله عشية الانتخابات الرئاسية.
وثمة خشية اميركية من تشدد ايراني مرتقب بعد غياب رئيسي وعبداللهيان عن المشهد السياسي الايراني، فالادارة الايرانية الجديدة ستجري مراجعة وتقييم لمختلف الملفات عندما تتسلم مقاليد السلطة، واذا كانت الاستراتيجية الايرانية ثابتة، باعتبار ان المرشد السيد علي خامنئي عامل مؤثر في صياغتها، الا ان المقاربة الايرانية قد تتغير تبعا للمستجدات الميدانية والديبلوماسية التي تتغير يوما بعد يوم، والدليل الاكثر وضوحا انه بعدما صعّدت “اسرائيل” ميدانيا من خلال الدخول الى محور فيلادلفيا، ومحاصرة قطاع غزة من كافة الجهات بعد إغلاق كل المعابر وتوسيع العمليات العسكرية، ارتفع نسق عمليات انصار الله في اليمن، وجرى تنفيذ هجومين في البحر المتوسط ضد سفن مرتبطة بـ “إسرائيل” والولايات المتحدة، فيما ادخل حزب الله اسلحة نوعية الى الميدان وشن هجوما جويا على منشآت للدفاع “الإسرائيلية”، فضلا عن تنفيذ هجوم هو الأول بمسيّرة مسلحة بصواريخ “S5” استهدف موقعا “إسرائيليا” في مستوطنة “المطلة”.
ووفقا للمصادر الديبلوماسية، اذا كان إدارة الرئيس الأميركي تسعى لمنع الأزمة في الشرق الأوسط من التحول إلى حرب إقليمية، فانها اليوم ستنتظر اقله نحو شهرين كي تستقر الامور في طهران وتتسلم القيادة الجديدة مقاليد الحكم، كي تحصل على الاجوبة! اي ان كافة الملفات ستكون مجمدة طوال هذه الفترة، باعتبار ان ايران كلاعب اساسي في المنطقة ستكون “غائبة عن السمع”، والامور ستكون مفتوحة على احتمالات كثيرة. فحدود التصعيد من حلفاء ايران في المنطقة غير محدد، لانه سيكون مرتبط بالعمليات “الاسرائيلية” العسكرية والامنية على كافة الجبهات، اما سياسيا فلا مجال لحصول اي تقدم في التفاهمات الاقليمية، وضمنها طبعا الملف اللبناني.
حزب الله يسارع ميدانيا لوضع استراتيجيته على “الطاولة”
وفي هذا السياق، سارع حزب الله ميدانيا الى وضع استراتيجيته على “الطاولة” دون اي مواربة، وقد مهد رئيس المجلس التنفيذي السيد هاشم صفي الدين لما سيقوله السيد حسن نصرالله يوم السبت المقبل في خطاب ذكرى التحرير، بالقول “إذا أراد العدو الاستمرار في المعركة، فنحن جاهزون لاستخدام أسلحة جديدة قد نجربها في ميدان المواجهة”. وهذا يعني بشكل واضح ان اختيار حكومة الحرب الاستمرار في الحرب على غزة، سيعني حكما تبني خيار الاستنزاف من قبل المقاومة، وستكون الاثمان كبيرة جداً على جبهة الشمال ودون سقوف هذه المرة؟ دون تجاوز “سقف” الذهاب الى حرب شاملة.
ويأخذ حزب الله في عين الاعتبار تعب الجيش “الاسرائيلي”، وضعف جهوزية الجبهة الداخلية، وموقف الولايات المتحدة التي ترفض اي حرب مع حزب الله قبيل اشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية. لكن ما تخشاه واشنطن هو خروج الامور عن السيطرة، خصوصا ان ثمة من يضغط داخل حكومة الحرب في “اسرائيل” لاشعال الحريق في الجبهة مع لبنان، تزامنا مع ما يعتبرونه ارباكا في ايران خلال العملية الانتقالية. وهو ما ترفضه واشنطن وتراه “جنون” يتنافى مع الواقع، ويدخل “اسرائيل” في ورطة قد يكون الخروج منها صعب جدا دون اضرار استراتيجة كبيرة.
فالمواجهة مع حزب الله مكلفة جدا، والوقائع الميدانية تشير الى وجود تعقيدات كبيرة لم ينجح التدخل الاميركي المباشر في حل عقدها، واكثرها خطورة ربما سلاح المسيرات الذي بات يشكل معضلة أساسية لجيش العدو، ومعه الضباط الاميركيون الموجودون في غرفة العمليات الرئيسية في “تل ابيب”. فهذه المسيرات تتحرك بسرعة بطيئة، وتتجنّب الرادارات وتعرف نقاط الضعف في منظومة الدفاع الجوي “الاسرائيلي”، وقد فشلت قبل ايام تقنيات جديدة متطورة وضعت في الشمال لاعتراض الطائرات المسيرة، حيث تمكن حزب الله من الاغارة على منطاد المراقبة المتطور قرب عكا على بعد 35 كلم من الحدود اللبنانية، متحديا المنظومة الجديدة التي يعاد اليوم النظر فيها ، بعد ان ثبت عدم فعاليتها. فماذا اذا استخدم حزب الله اسلحة اكثر تطورا؟!
هذا القلق من التطورات جنوبا، يوازيه حكما جمود في الملف الرئاسي ايضا، واذا كانت التعقيدات الداخلية على حالها، وتتظهر على نحو “كاريكاتوري” بالنقاش “البيزنطي” حول الجهة التي ستدعو للحوار وتترأسه، وشكل الجلسات متتالية او مفتوحة، فان الخارج يدرك صعوبة الاختراق قبل وقف الحرب على غزة، واليوم “فرمل” الخارج جهوده ايضا بانتظار عودة طهران الى مسرح العمليات الديبلوماسي، لانها احد اكثر الاطراف تأثيرا في مجريات الاحداث، وما تقوم به الدوحة او يقوم به سفراء “الخماسية” من تحرك لن يثمر، وسيبقى دون نتائج عملية، بانتظار “الصفقة” الكبرى التي لا يعرف احد من اللاعبين كيفية الوصول اليها، والاثمان التي ستدفعها المنطقة قبل الجلوس الجدي على “الطاولة”. ولهذا يمكن الحديث عن مرحلة دقيقة جدا، لا يمكن التكهن بتطوراتها واحداثها المفاجئة المفتوحة على كافة الاحتمالات، وسط قلق اميركي جدي من سقوط “الخطوط الحمراء” مع طهران مجددا!؟