مفاوضات الناقورة زاد للثنائي في الصفقة الآتية.. وما كانت لتكون لولا غطاء طهران
يدخل لبنان بدءًا من 14 تشرين الأول، رسمياً، مدار الإنتخابات الرئاسية الاميركية. إذ صارت محطة التفاوض على ترسيم الحدود البحرية جزءًا من المعركة الرئاسية في واشنطن، ويعوّل عليها فريق الرئيس دونالد ترامب لتأتي مكمِّلة لما راكمه من مكاسب نتيجة إتفاقات السلام التي رعتها الإدراة بين إسرائيل وعدد من دول الخليج.
بالطبع، لا يتوهّم فريق ترامب أن المحطة اللبنانية ستأتي له بعائدات مشابهة ومماثلة لاتفاقات السلام الموقّعة، لكنها بحد ذاتها تُعتبر إختراقا كبيرا سيعمل على توظيفه في السياق الإنتخابي. وستكون التغطية الإعلامية والسياسية الاميركية والدولية المحضّرة لمفاوضات الناقورة، على قدر كبير من الوزن والأهمية. وثمة من يصف المفاوضات اللبنانية – الاسرائيلية بمفاجأة تشرين الاول October surprise التي من شأنها ردم الفارق بين الحملتين الإنتخابيتين. وتعود تلك التسمية الى 3 محطات حاسمة في السياق الإنتخابي الاميركي على مرّ العقود الأربعة الفائتة:
أ-إنتخابات عام 1972، حيث أعلن في 8 تشرين الأول، أثناء مفاوضات باريس لإنهاء حرب فيتنام، أن الجانب الفيتنامي الشمالي وافق على شروط الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار، وهو الاتفاق الذي انهار في غضون أيام. غير أن حملة الرئيس المرشح ريتشارد نيكسون، وجدت في هذا التطور فرصة للترويج لقرب إنهاء الحرب ما رفع حظوظ نيكسون أمام منافسه جورج ماكغوفرن الذي وصف الإعلان بالخدعة السياسية. وقد استمرت تلك الحرب حتى عام 1975.
طلائع التفاهمات عودة الحزب من سوريا وإعادة فتح النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية
ب-انتخابات عام 1980، حين توافق فريق المرشح الجمهوري رونالد ريغان مع إيران، وفق رواية المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي غاري سيك، على تأخير الإفراج عن الرهائن الأميركيين في السفارة في طهران من تشرين الأول 1980 إلى كانون الثاني 1981 بغية تأمين فوز ريغان. فكان أن تجاوبت السلطات الايرانية وأطلقت سراحهم بعد دقائق من خروج الرئيس جيمي كارتر من البيت الأبيض. وكافأ الرئيس الجديد طهران بتزويدها بالسلاح عبر إسرائيل، وهو ما عُرف لاحقا بفضيحة إيران – كونترا.
ج- إنتخابات عام 2000، حين تعرضت حملة المرشح جورج بوش الإبن لإهتزاز بعد الكشف عن حادث توقيفه بتهمة القيادة تحت تأثير الكحول عام 1976، مما الى إستنزاف حملته وأثّر في شعبيته. لكنه فاز بنتيجة التصويت بقرار من المحكمة العليا، رغم أن منافسه آل غور حصل على غالبية الأصوات الشعبية على الصعيد الوطني بفارق ضئيل.
تُقارب الإدارة الأميركية الموافقة اللبنانية على بدء مفاوضات ترسيم الحدود من الباب الإيراني. بمعنى أنها على يقين بأن حزب الله ما كان ليوافق لولا الغطاء الذي منحته طهران.
ويعتبر مسؤولون في واشنطن أن القيادة الايرانية أرادت من ذلك أن تجعل الشيعة في لبنان في صلب المعادلة المقبلة إقليميا، عبر منحهم زاداً (الترسيم ومن ثم الغاز) يؤهلهم التفاوض دوليا، ويقوّي موقفهم لبنانياً متى إستجدّت الحاجة الى نقاش دولي في الدور والسلاح، بما يعكس الرغبة في إقران التنازل المقاومتي بحصد النتائج السياسية على مستوى النظام اللبناني، المسمَى شيعياً «المشاركة الفعلية» والتي عبّرت عنها أخيرا، كما بات معلوما وواضحا، مسألة التوقيع الثالث في وزارة المال.
ولا يُسقط المسؤولون الأميركيون من حساباتهم أن طهران، في موازاة كل ذلك، تضع في حسابها أن يتقاضى الشيعة اللبنانيون ثمنا داخليا للتطورات الحاصلة، على شاكلة قوننة المشاركة الشيعية الحاصة راهنا في السلطة التنفيذية، وهي مشاركة قائمة بحكم الممارسة لا بحكم الدستور، وهو ما يتطلب في مرحلة لاحقة، وربما قريبة، تعديلا في شكل النظام وتوازناته، قد تكون المثالثة إحدى تجلياته.
ويبدو من تطور النقاش في واشنطن، أن دوائر القرار الأميركي غير بعيدة عن تغطية الثمن الايراني المطلوب لبنانيا في حال تحقق للولايات المتحدة، وإستطرادا إسرائيل، ما تريدانه، قريبا في الترسيم، ولاحقا في إنحسار النفوذ الإقليمي لـ «حزب الله» (قد يكون أحد أوجهه العودة العسكرية من سوريا ولاحقا من أماكن الصراع الأخرى)، ومن ثم في مسألة السلاح من خلال إعادة فتح النقاش اللبناني توصلا الى إستراتيجية دفاعية تستوعب سلاح الحزب، وتعيد إنخراطه سياسيا- حصرا- في النظام اللبناني، كنتيجة حتمية لقوننة المشاركة الشيعية في السلطة التنفيذية.