IMLebanon

سباق تساقط الأذرع

 

 

شهدت الإنسانية خلال فترة الحرب الباردة بين معسكر الاتحاد السوفياتي والمعسكر الغربي سباق تسلّح كمّاً ونوعاً، حيث قام الطرفان بتطوير ترسانتهما العسكرية الاستراتيجية، وبتوزيع الكثير من الأسلحة على نقاط الصراعات العالمية لاختبار فعاليتها، ولتجربة أضدادها. وتم صرف الأموال الهائلة من موازنات دول المعسكرين على الصناعات العسكرية، فاضطر معظمها لتحويل امكانياته المالية من قطاعات اخرى تُعنى بالصحة والخدمات الاجتماعية والقطاع الصناعي الإنتاجي، تأميناً للمسار التسابقي، ممّا شكّل واقعاً مالياً ضاغطاً، أفقد الكثير من هذه الدول إمكانيات وضع سياسات اقتصادية متوازنة بين القطاعات الحياتية المتعدّدة، وأدخلها في أزمات اجتماعية جمّة انعكست اضطرابات اجتماعية وسياسية وانتفاضات شعبية، ونتج عنها تفاوت كبير بين مستويات الطبقات المكوّنة للمجتمع. ولكن في الوقت ذاته، نجح بعض هذه الدول في الإبقاء على أولوية الاقتصاد التطويري المتوازن نسبياً مع الموازنات العسكرية، في حين سقطت دول أخرى في فخ السباق التسلّحي، فأهملت شعبها. وفعلياً، هذا ما حدث مع الاتحاد السوفياتي ومعسكره، الذي سقط في حلبة التسابق، وأدى ذلك إلى استسلامه، ومن دون إطلاق رصاصة واحدة أو صاروخ واحد أو باليستي واحد من الترسانات السلاحية، التي حرم شعبه من القدرات الوطنية، لأجل تصنيعها، ومن ثم لأجل تدميرها. وبعد هذا السقوط المُدوي للمعسكر، تبيّن أن أي دولة لا تحمل في برامجها السياسية، خططاً مستقبلية هادفة لرفاهية وحرّية الشعوب مصيرها الفشل.

 

 

وكم يُشبه واقعنا الحالي في منطقة الشرق الأوسط ما حلّ في دول أوروبا الشرقية خلال الحرب الباردة، مع فارق أن تلك الدول الأوروبية تميّزت بقدراتها على فرض الاستقرار الأمني الداخلي المُدعم بيدٍ حديدية أرخت بكامل ثقلها على رؤوس الشعوب التي حكمتها، في حين أن شعوب منطقة الشرق الأوسط العربية، خرجت من حكم الأنظمة الحديدية القمعية الفاشلة، ودخلت في مفاهيم اللادولة، فالفوضى والتشرذم، ولم يعد للأقليات وأحلافها من تفوّق على الأكثريات وفروعها. أمّا التشابه بين الحقبتين، فهو في سباق التسلّح، وفي المصير الذي وصلتا اليه كنتيجة، من إفلاس للميزانيات من أجل العسكرة، في حين حُرِمَت الشعوب من الحياة الهنيئة والهادئة والطبيعية.

 

 

لأجل تسليح الأذرع المنتشرة في منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً الجزء العربي منها، تم العبث بالسلم الأهلي وبالإدارات الرسمية للدول، وتم إطفاء نور التمدّن والحضارة في تلك المجتمعات، فتشابهَ مسار نشر الثورة الإيرانية في المنطقة في زمننا هذا، بتلك الفترة عند نشر الفكر الإيديولوجي الشيوعي المتزمت في الزاوية الأوروبية من العالم، بالرغم من تفاوت القدرات والأحجام بين المعسكر والمحور. وما حدث مع الاتحاد السوفياتي حينها، من انهيار لقواه العسكرية المنتشرة في الكثير من دول العالم، نتيجة أزماته الاقتصادية، فإنه يحدث اليوم مع الانهيار السريع، لأذرع المحور الإيراني بعد مغامرة “طوفان الأقصى” والتي تسارعت من بعدها مشاهد السقوط، من “حماس” إلى “حز ب الله” اللبناني، إلى الفصائل الإيرانية في سوريا، والمتوقّع أن تستمر إلى العراق وفصائلها، لتنتهي في مسك الختام في طهران، ليُستدل بأن كافة الأموال التي صُرفت من أموال شعوب الدول الواقعة قسراً تحت سطوة أذرع المحور على التسلّح ذهبت هدراً، وانتهت كخردة تُباع في سوق التطور الصناعي التقني العسكري العالمي.

 

 

تتشابه الفترتان المصيريتان بين المعسكر والمحور، بالسباق ما بين بعضهما البعض نحو السقوط، وتتشابه أيضاً خطط أنظمتهما بالحفاظ على ورقتهما الأخيرة، وهي الإعلام الكاذب، الذي لا ينهار إلا لليوم التالي بعد سقوط الأنظمة، حيث يُكمل عمله حتى سكوت النبض الرعوي للنظام وللأذرع العاملة لديه.

 

 

كل الأنظمة والمُنظمات التي لا تتقن إلا لغة الحروب والقتل لن تفهم يوماً لغة التسابق نحو السلم.