فرناز فاسيحي- نيويورك تايمز
لدى طهران خطط عدة للردّ على هجوم انتقامي متوقع من إسرائيل، تختلف بحسب شدّته، وقد لا تقوم بأي شيء، وفقاً لمصادر مطلعة.
بينما تستعد لهجوم انتقامي متوقع من إسرائيل، أمرت إيران قواتها المسلحة بالاستعداد للحرب، لكنّها تسعى أيضاً إلى تجنّبها، بعدما شهدت دمار حلفائها في لبنان وغزة.
كشف مسؤولون إيرانيّون أربعة، في مقابلات هاتفية هذا الأسبوع، انّ المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، أمر الجيش بوضع خطط عسكرية متعدّدة للردّ على هجوم إسرائيلي. وأشاروا إلى أنّ نطاق الردّ الإيراني المحتمل سيعتمد إلى حدٍّ كبير على شدّة الهجمات الإسرائيلية. وتحدّثوا بشرط عدم الكشف عن هويّتهم، لبحث التحضيرات العسكرية.
وإذا ما تسبّبت الضربات الإسرائيلية – رداً على وابل من الصواريخ الإيرانية في وقت سابق من هذا الشهر – في أضرار واسعة وخسائر كبيرة، أكّدوا أنّ إيران ستردّ. لكن إذا ما اقتصر الهجوم الإسرائيلي على عدد من القواعد العسكرية والمستودعات التي تخزّن الصواريخ والطائرات المسيّرة، فقد لا تقوم إيران بأي ردّ.
وذكر المسؤولون، أنّ آية الله خامنئي وجّه بردٍّ حتمي إذا ما استهدفت إسرائيل البنية التحتية للنفط والطاقة أو المنشآت النووية، أو إذا اغتالت مسؤولين رفيعي المستوى.
وكشف المسؤولون، ومن بينهم عضوان في الحرس الثوري الإسلامي، إنّه في حال تسبّبت إسرائيل بأضرار جسيمة، فإنّ الردود المحتملة قيد النظر، تشمل وابلاً يصل إلى 1000 صاروخ باليستي؛ تصعيد هجمات الجماعات المسلحة الإيرانية الحليفة في المنطقة؛ وعرقلة تدفّق إمدادات الطاقة والشحن العالمي عبر الخليج الفارسي ومضيق هرمز.
وتحافظ إيران علناً على تصريحاتها بأنّها لا ترغب في الحرب. لكنّ الضربات العسكرية العقابية من إسرائيل ستشكّل تحدّياً لقادتها، الذين يعتزمون عدم الظهور بمظهر الضعف والهشاشة، خصوصاً بعد عمليات الاغتيال التي نفّذتها إسرائيل ضدّ قادة عدة في «حماس» و«حزب الله»، وهما مجموعتان تدعمهما إيران.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، لوسائل الإعلام الروسية الأربعاء على هامش قمة «بريكس» في مدينة قازان الروسية، أنّه «في حال حدوث هجوم إسرائيلي، سيكون ردّنا متناسباً ومحسوباً».
بالنسبة إلى إيران – وللمنطقة – فإنّ المخاطر لا يمكن أن تكون أكبر. فاندلاع حرب شاملة بين إيران وإسرائيل سيزيد من الفوضى، وقد يقضي على أي آفاق لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان، وربما يقود الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عسكرية لدعم إسرائيل.
في الأسابيع الأخيرة، حاولت إيران تعزيز تحالفاتها مع الدول العربية الإقليمية، لكنّها حذّرتهم أيضاً من أنّ أي دعم لإسرائيل في حال شنّ هجوم سيجعلهم هدفاً مشروعاً. وأوضح عراقجي، في مؤتمر صحافي في الكويت الثلاثاء، أنّه تلقّى ضمانات من الدول المجاورة بعدم السماح للطائرات الإسرائيلية باستخدام أجوائها أو التزوّد بالوقود في قواعدها في أي هجوم على إيران.
في الأسبوع الماضي، أبدى المسؤولون الإيرانيّون وجهات نظر متضاربة في تعليقاتهم العامة حول كيفية مواجهة التهديد الإسرائيلي. وتعهّد الرئيس مسعود پزشكيان وعراقجي بالانتقام، لكن بنبرة محسوبة.
وقلّل أحد القادة من أهمية الهجمات الإسرائيلية المحتملة، معتبراً أنّها لا تستحق رداً كبيراً. لكنّ قائداً رفيعاً في الحرس الثوري هدّد في خطاب بالقضاء على جميع الصهاينة.
ويعتقد ناصر إيماني، محلّل سياسي قريب من الحكومة، في مقابلة هاتفية من طهران، أنّ: «التفكير الحالي هو أنّه إذا كان الهجوم الإسرائيلي رمزياً ومحدوداً، فيجب أن نترك الأمور وننهي دورة الهجمات. إيران لا ترغب حقاً في خوض حرب كبرى مع إسرائيل. نحن لا نرى أي فائدة في تفجّر المنطقة».
وأوضح إيماني، أنّ إيران لا تعتبر الحرب مع إسرائيل في هذه المرحلة تهديداً وجودياً، لكنّها تعتقد أنّ صراعاً طويل الأمد سيكون مدمّراً وسيؤدّي إلى تعطيل خطط الحكومة الجديدة للتفاوض مع الغرب على أمل رفع العقوبات الأميركية الصارمة وتحسين الوضع الاقتصادي السيئ في إيران.
تصاعدت التوترات بين إسرائيل وإيران بشكل أكثر حدّة منذ أن نفّذت حركة «حماس» هجومها الإرهابي على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.
في نيسان، تبادلت إيران وإسرائيل إطلاق النار بعد أن هاجمت إسرائيل مجمّع السفارة الإيرانية في سوريا. في هجومها على إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر، أطلقت إيران ما يقرب من 200 صاروخ باليستي انتقاماً لاغتيالات إسرائيلية ضدّ زعيم «حماس» السياسي إسماعيل هنية، بينما كان في طهران، وزعيم «حزب الله» حسن نصر الله.
وتوقعاً للردّ، أجرت إيران مؤخّراً جهوداً ديبلوماسية مكثفة. واعتبر إيماني إنّ ذلك كان جزئياً لإرسال رسائل عبر قنوات خلفية إلى واشنطن لمحاولة كبح إسرائيل ومنع الحرب، وأيضاً لتعزيز التحالفات مع الدول العربية والتشاور مع تركيا وحلفيَ إيران الرئيسيَّين، روسيا والصين.
التقى بزشكيان بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقائد الصين، شي جين بينغ، في قازان. وأكّد بوتين بعد اجتماعهما أنّ رؤية روسيا وإيران للمنطقة كانت «متطابقة أو قريبة جداً»، وأنّه «يُقدّر بشدّة» مواقف آية الله خامنئي، وفقاً لما بثّته قناة التلفزيون الإيراني.
لم تواجه إيران تهديداً خارجياً بهذا الحجم منذ انتهاء حربها مع العراق قبل أكثر من ثلاثة عقود. وبينما تخوض إيران وإسرائيل حرباً سرّية تدور على الأرض والجو والبحر وفي الفضاء الإلكتروني، فإنّ إلقاء الطائرات المقاتلة الإسرائيلية قنابل على إيران سيمثّل مجالاً جديداً لم يسبق له مثيل، وفقاً للمحلّلين.
ويوضح أفشون أستوفار، أستاذ مساعد في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية في مونتيري، كاليفورنيا، وخبير في شؤون الجيش الإيراني، أنّ «مشكلة إيران هي أنّها صعّدت إلى درجة أنّها أصبحت في مواجهة مباشرة مع إسرائيل مع توفّر أدوات عسكرية أقل بكثير تحت تصرّفها مقارنةً بإسرائيل».
على مدى أسابيع، توقّعت إيران رداً من إسرائيل، وضعت قواتها المسلحة في حالة تأهّب قصوى وعزّزت الدفاعات الجوية في المواقع العسكرية الحساسة والمواقع النووية، وفقاً لأربعة مسؤولين.
وكشف عضوان في الحرس الثوري على دراية بالتخطيط العسكري، أنّ الجنرالات البارزين الذين قادوا كتائب في العراق وسوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، قد نُشروا في جميع المحافظات الحدودية. وأوضحوا أنّ هناك مخاوف من أنّ الجماعات الانفصالية المسلّحة والجماعات الإرهابية مثل «داعش»، قد تشنّ هجمات وتثير اضطرابات إذا ما دخلت البلاد في حالة حرب.
وكشف ناصر حديان، معلّق سياسي مقيم في طهران، في مقابلة هاتفية، أنّ إيران قضت عقوداً في بناء جماعات مسلّحة مثل «حزب الله» في لبنان، لتعمل كقوة دفاعية على طول الحدود الإسرائيلية لردع الولايات المتحدة من شنّ هجوم. لكنّه أضاف أنّ هذا التركيز قد تغيّر الآن.
ويعتقد حديان أنّ «إسرائيل أصبحت التهديد الحقيقي لإيران. كنا نظنّ طوال هذه السنين أنّها أميركا»، موضحاً أنّ إسرائيل دمّرت سلسلة القيادة والبنية التحتية العسكرية لـ»حزب الله»، ممّا قلب موازين الحسابات لإيران. وتابع: «يعمل الردع طالما لا توجد حرب، والآن بعد الضربات القوية لـ«حزب الله» أضعفَت جزءاً كبيراً من قوة الردع الإيرانية».
في شوارع طهران، لا توجد علامات ظاهرة للحرب سوى الجداريات الدعائية التي تهدّد إسرائيل باللغة العبرية، وفقاً لسكان أُجريت معهم مقابلات.
وأقرّت أسال (21 عاماً) التي تعمل في التسويق وطلبت عدم ذكر اسم عائلتها خوفاً من الانتقام: «لا نعرف شيئاً، نحن نُبقَى في الظلام. لا نعرف كيف نهيّئ أنفسنا لأنّ الحكومة لا تُعلمنا».
في الأيام الأخيرة، انخفضت العملة الإيرانية المتدهورة، الريال، بشكل أكبر مقابل الدولار، بينما ارتفع سعر الذهب، وهما مؤشّرا أزمة تقليديان على استجابة الاقتصاد للاضطرابات والتضخم. يوم الخميس، حظّرت الحكومة الطائرات المدنية المسيّرة من التحليق، وأوقفت معظم شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى إيران، ممّا ترك المسافرين بخيارات قليلة، وأسعار مرتفعة، ورحلات مكتظة.
ويبدو أنّ الدعم للحرب مع إسرائيل يقتصر على المؤيّدين العقائديّين المتشدّدين للحكومة، الذين يؤكّدون في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى شاشات التلفزيون الرسمي، أنّهم سيُطوّعون أنفسهم للقتال. لكنّ العديد من الإيرانيِّين الآخرين يتحدّثون في مقابلات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بأنّهم قلقون وغاضبون من احتمال جرّهم إلى حرب لا يريدونها ولا يؤيّدونها.
وتؤكّد رايكا (47 عاماً) فنانة في طهران، طلبت أن يُعرّف عنها فقط باسمها الأول لأسباب أمنية: «الكثير من الناس مثلي بقوا في إيران على الرغم من كل مشاكلها، وكافحوا للبقاء على قيد الحياة. لا أريدنا أن نتورّط في حروب تخصّ بلداناً أخرى. لا أريد أن أموت من أجل شيء لا علاقة له ببلدي وشعبي».