ترفض إيران أخذ العلم بأن هناك تغيّراً في العمق في دول الخليج العربي. باتت الدول العربية في الخليج تعتبر نفسها في حال حرب مع مشروع توسّعي يستثمر في الغرائز المذهبية. يستهدف هذا المشروع كلّ دولة من دول المنطقة.
تغيّرت دول الخليج كلّيًّا نظرا الى أن أمنها صار مهدداً بشكل مباشر. ليس الموقف الخليجي الجديد من نشاطات «حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني عناصره لبنانية، سوى دليل على مدى عمق هذا التغيير الذي ظهر جلياً من خلال «عاصفة الحزم» التي حالت دون وضع إيران يدها على اليمن.
قبل أيّام قليلة، طلبت «الجمهورية الإسلامية» وساطة الكويت مع دول الخليج. نقل الطلب وزير الاستخبارات الإيراني سيد محمود علوي خلال زيارة لهذا البلد الخليجي المعروف بحرصه على الاستقرار الاقليمي.
هل تظنّ إيران أن دول الخليج العربي ساذجة إلى درجة أنّ في الإمكان فتح صفحة جديدة معها بين ليلة وضحاها من دون تغيير في العمق في سلوكها على كلّ المستويات؟
لم يتغيّر شيء في السلوك الإيراني، بما يبرر فتح الصفحة الجديدة. هناك محاولة إيرانية جديدة للتذاكي على دول الخليج لا أكثر. ترافق المحاولة حملة تشنّها أبواق إيرانية من بيروت وغير بيروت على المملكة العربية السعودية والملك سلمان بن عبدالعزيز تحديداً.
تلجأ إيران على نحو مباشر أو عبر أدواتها إلى أساليب قديمة في التعاطي مع وضع جديد. لا تدري أن هذه الأساليب صارت من الماضي وأن الابتزاز لم يعد مقبولاً أو مجدياً… حتّى لو تلطت الأدوات الإيرانية بفلسطين.
أين تغيّرت إيران حتّى يمكن فتح صفحة جديدة معها؟ ليس سرّاً أنّها تحتل ثلاث جزر إماراتية هي طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، وذلك منذ العام 1971، أي منذ عهد الشاه. هل تغيّر شيء في السياسة الخارجية لإيران منذ الانتهاء من عهد الشاه؟
من البحرين، الى اليمن، الى سوريا، الى العراق… الى الكويت ولبنان، تدل كل التصرفات الإيرانية على رغبة في انتهاج سياسة تقوم على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية ليس إلّا.
لكلّ بلد عربي قصّة مع إيران التي باتت تعتبر نفسها قادرة على المزايدة على العرب فلسطينياً. إذا كان من خدمة أدتها إيران للفلسطينيين، فإن هذه الخدمة صبّت في مصلحة إسرائيل. كلّ ما فعلته إيران هو المتاجرة بالقضية الفلسطينية وذلك كي يضيع الفلسطينيون كلّ الفرص التي أتيحت من أجل الانتهاء من الاحتلال.
لدى طرح موضوع الدور الإيراني في المجال الإقليمي، يحتار المرء من أين يبدأ، علماً انّه يستطيع دائماً أن يبدأ من الآخر، أي من لبنان. يتعرّض لبنان يومياً لضربات متكرّرة يقف خلفها المشروع التوسّعي الإيراني الذي يصرّ على جعل الوطن الصغير رهينة لديه.
بالنسبة إلى دول الخليج التي تقول إيران انها تريد فتح صفحة جديدة معها، ليس معروفاً لماذا هذا الاصرار على عزل لبنان عن محيطه العربي واستخدامه للإساءة إليها. تبلورت الرغبة الواضحة في عزل لبنان عن العرب، خصوصاً عن أهل الخليج، في عهد حكومة «حزب الله».
كيف يمكن لإيران الادعاء أنّها دولة مسالمة في وقت ليس ما يشير إلى أنّ لديها همًّا آخر غير همّ نشر البؤس في لبنان واستخدامه «قاعدة» لانطلاق عمليات عدائية لدول الخليج؟
تترافق عملية إفقار لبنان، بشكل منهجي، مع سعي جدّي إلى إلغاء مؤسسات الدولة اللبنانية الواحدة تلو الأخرى. فتورّط «حزب الله» في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه، جزء لا يتجزّأ من عملية مدروسة تستهدف تأكيد أن الدويلة التي أقامها «حزب الله»، صارت أقوى بكثير من الدولة اللبنانية. هذه الدويلة تتحكّم، بفضل السلاح المذهبي، بالدولة اللبنانية وتستخدمه كلّما دعت الحاجة الى ذلك. صار وزير الخارجية اللبناني صوت إيران في أي اجتماع عربي أو إسلامي ولا شيء آخر غير ذلك.
يوفّر لبنان المظلوم، الذي تمنع فيه إيران انتخاب رئيىس للجمهورية، مثلاً على مدى الاستهتار بالعرب وببلد كان في استطاعته توفير نموذج للعيش المشترك في الشرق الأوسط. وهذا معناه في طبيعة الحال وجود نموذج حيّ يتعارض تماماً مع ما تمثّله دولة عنصرية مثل اسرائيل تصرّ على اعتراف العرب والفلسطينيين بها كـ»دولة يهودية».
لم يكن أمام الكويت سوى القيام بوساطة من دون أن تكون مقتنعة بها. إنّها وساطة كويتية جرت بعيداً عن الأوهام، ذلك أن أهل الخليج في حاجة إلى أفعال وليس إلى كلام جميل وشعارات لا تقدّم ولا تؤخّر.
إلى إشعار آخر، لا دليل على أي تغيير إيراني. لا يمرّ يوم إلّا وتزداد الدلائل على أن «القاعدة» وكلّ ما أنتجته من تنظيمات متطرّفة كـ»داعش» وغير «داعش» جزء لا يتجزّأ من استراتيجية إيرانية بعيدة المدى أوصلت الشرق الأوسط والخليج الى ما وصلا اليه.
كلّما مرّ يوم تتكشّف فصول جديدة من التعاون العميق بين ميليشيات إيران و»القاعدة»، وهو تعاون يعطي فكرة عن خطورة التحالف القائم بين التطرّفين السنّي والشيعي، برعاية إيرانية على الاستقرار في المنطقة كلّها!