Site icon IMLebanon

شهادة إيرانية

 

صارت عادة أليفة، تحذيرات أهل النظام في طهران من احتمال انهيار النظام ما لم يعدّل «سلوكه» ويستمع إلى شكاوى الإيرانيين ويأخذ بها.

 

وإذا كان متوقّعاً أو ممكناً، خروج حسن الخميني، حفيد المرشد الأول لـِ«الثورة»، بمواقف مضادة لأداء أصحاب القرار تبعاً لاصطفافه المطوّل إلى جانب «الإصلاحيين»، فإن ما ليس طبيعياً وإن كان مفهوماً، هو أن يخرج وزير الداخلية عبد الرضى رحماني فضلي على الملأ ليحذّر من «عودة وشيكة» للاحتجاجات الشعبية. ثم أن يذهب بعيداً بكل وضوح ممكن ليقول إن الناس «ليست راضية عن النظام في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية».. أي إنها في الاجمال ليست راضية عن شيء!

 

قبل الوزير الصريح، ذهب رئيسه الشيخ حسن روحاني إلى حدّ تنبيه «المرشد» نفسه من مصير مماثل لمصير الشاه الراحل.. وكان الأمر ولا يزال، شهادة طنّانة رنّانة من أبرز وجوه النظام (والثورة!)، على خواء المحصول العام لهذه «الثورة» بعد أربعة عقود على قيامها.. وليس افتراء على الحقيقة ولا على المنطق تضمين ذلك المحصول، الأداء الخارجي إلى جانب الأداء الداخلي سواء بسواء، بما يجعل مفردة «التآمر» (الاقليمي والدولي!) على «منجزات» الجمهورية الإسلامية لغواً إنشائياً لا يُعتدّ به، لتبرير ذلك الفشل المزدوج!

 

والازدواجية شغف إيراني صافٍ: دولة «وثورة». جيش و«حرس». شعار ونقيضة. «إسلام» ومذاهب! نصرة «مستضعفين» على الورق، وفتك بهم على الأرض! تدمير إسرائيل في الشعار، وتخريب كل جوارها في الواقع! إدعاء محاربة «الأجانب وطردهم من ديار المسلمين» واستحضارهم (في سوريا) للفتك بمسلمين! سعي (صادق!) للانفتاح على البعيد، وإقفال دؤوب على القريب! لغو بنصرة «المظلوم» في فلسطين والتزام بنصرة الظالم في دمشق وبغداد! علاقات ديبلوماسية في السفارات، وميليشيات في الثكنات! رفض التدخل الخارجي في الشأن الإيراني، وإباحة التدخل الإيراني في شؤون الآخرين وأحوالهم وكياناتهم وشعوبهم وتركيباتهم وأمنهم..

 

والأمر في خلاصته مربوط بحبل متين: تصدير «الثورة» إلى الخارج يقوّض «الدولة» في الداخل! ولا جديد في هذه الخلاصة. بل «سبق الفضل» في تجربة أكبر وأشمل واقوى وأخطر، كان اسمها مرّة «الاتحاد السوفياتي»! وهذه امتدت فعلياً ولم تدَّعِ الامتداد! ووصلت ولم تدّعِ الوصول! وامتلكت من المقوّمات الحقيقية ما لا تملك إيران جزءاً يسيراً منه! لا في التصنيع ولا في العلوم ولا في الموارد الأولية والثروات الطبيعية ولا في الجيوش ولا في التسليح ولا في «النووي» وسباقات الفضاء، ولا في الآداب والفنون والطب والموسيقى، ولا في القدرة العامة على مقارعة «الامبريالية» على مساحة الكرة الأرضية.. ومع ذلك نخرها السوس من داخلها! ولم يعوّضها الانتشار الخارجي عن الانكفاء الداخلي. مثلما لم يعوّضها الوصول إلى الحدود الأميركية في كوبا وتعبئة مخازنها بالأسلحة عن فقدان الخبز والحليب واللحوم والخضار من رفوف البيع في مخازن موسكو وبطرسبورغ! ومثلما لم يعوّضها امتداد صفوف «الجيش الأحمر» على مساحة نصف أوروبا، عن امتداد صفوف «الشعوب السعيدة» في المعسكر الاشتراكي أمام المتاجر انتظاراً لشراء قبّعة! أو معطف! أو حذاء! أو علبة تبغ! أو زجاجة «فودكا»!

 

.. شهادة وزير الداخلية الإيراني (تحديداً وليس غيره!) هي شهادة تقنية إذا صحّ التعبير، وليست سياسية. وأهميتها الاستثنائية في كونها كذلك، أي مستندة إلى العلم وليس التحريض، والى الأرقام وليس التخمين. وهذه في جملتها تقول إن الإيرانيين ليسوا راضين عن شيء في أداء النظام! وإن تحرّكهم في الشارع لم يتم بإيعاز من الخارج! وإن عودتهم إلى ذلك التحرك واردة في أي لحظة.. كأنّه يقول «اللهم اشهد أنّي قد بلّغت»!