ليس غريباً استحضار جماعة الممانعة الإيرانية عندنا، القضية الفلسطينية في غير موضعها. أو جعلها في واجهة الخطاب كلما التبس ذلك الخطاب.. فالأمر، على ما يرى مهمومون ومتابعون، مُعتمد منذ البدايات، كواجهة لكل شأن سلطوي ممانِع، كبيراً ومقيماً كان ذلك، أم صغيراً وعابراً.
على كتف تلك القضية وقفت وعربشت «الامبراطورية» المشتهاة منذ اللحظات الأولى، وأطلقت صرخاتها وصيحاتها في وادي الحروب الأهلية العربية والفتن الإسلامية المتنقّلة. وبشعاراتها أمكن تغطية وتورية كل ذلك الأداء الذاهب إلى صناعة النفوذ وتمكينه، وكل تلك الممارسات التي أوصلت إلى ذلك الوهم الانتصاري (الإيراني) وأودت في طريقها بكيانات عربية إلى دائرة الهلاك والتشظّي.
ولا يجد أساطين ذلك الغلوّ، أي حرج في محاججة الآخر الذي يقول لهم، إنّ بوصلتهم زاغت وضاعت. فطريق القدس عندهم تمر حُكماً بتمكين سطوة «الفقيه« من ترسيخ ولايته في العراق وعلى حساب اندحار دولته واجتماعه ودستوره وأخذ أهله في رحلة عكسية إلى بطون التاريخ والانقسامات الأولى. مثلما تمر عبر إدخال سوريا وشعبها في محرقة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية وصولاً إلى جعل الخجل رديفاً لكل استحضار لنكبة فلسطين وشعبها على أيدي الإسرائيليين!
وتلك الطريق تمر حُكماً الآن في جبال صعده وميناء عدن وتلال صنعاء.. وعلى أكتاف فقراء اليمن الذين تذكّر حسين عبداللهيان أنّهم «مُستضعفون». ورأى فيهم زميله (السابق) علي ولايتي التعبير الفذّ عن مدى سطوع شعاع الثورة الإيرانية.
غير أنّ الاستحضار الراهن، في مناسبة «عاصفة الحزم» يحمل مفارقتين سريعتين. الأولى أنّ تعيير الجانب العربي بعدم حشد «العواصف» والجيوش ضدّ الإسرائيليين، وخصوصاً للدفاع عن غزّة وأهلها في السنوات الماضية، لا يليق إلاّ بالمعيِّر ذاته. باعتبار أنّ الجانب العربي يقول رسمياً وعلناً ومنذ عقدين ونصف العقد، إنّه داخل في عملية تفاوضية لمحاولة الوصول إلى حل سلمي وسطي مع الإسرائيليين. لكن الذي لا يكفّ عن التهويل بمحو إسرائيل عن وجه الأرض هو الجانب الإيراني وأدواته… والذي يقول إنّ «المقاومة» هي الخيار البديل عن «المساومة» وهي الأصح والأسلم والأنسب، هو الجانب الإيراني وأدواته. فماذا فعل هؤلاء لردّ العدوان على غزّة؟!
والمفارقة الثانية (والسريعة بدورها) هي أنّ استحضار تلك القضية جاء بعد استحضار سيرة «الامبراطورية» وتظهير حدودها من بغداد إلى شواطئ المتوسط في لبنان. بحيث إنّ البوصلة ذاتها، التي استبدلت حماه وحمص وحلب والغوطة ودير الزور بالقدس وحيفا ويافا وعكا والخليل.. وشعب سوريا باللصوص الإسرائيليين، هذه البوصلة زاغت أكثر حتى استبدلت الزحف الحواري إلى جنيف السويسرية بالزحف الإبادي إلى القدس المحتلة! وشعار «الموت للعرب» بشعار «الموت لأميركا»!