فيما بقيت الحركة السياسية خفيفة او شبه غائبة،في ظل شلل شبه تام للحركة سيما على الخط الرئاسي، مفسحة المجال لموجة الادانات للضربة التي وجهتها “اسرائيل” لايران عبر صندوقة سوريا، في تطور خارج عن المالوف، شهدت ساحات القتال، من غزة الى البحر الاحمر، مرورا بالجنوب، تراجعا لافتا في حدة الاشتباكات، ما وصفه المراقبون بانه هدوء ما قبل العاصفة، الى حين التقاط المحور لانفاسه، في وقت اجمعت المعطيات على ان اكثر من اجتماع عقد خلال الساعات الماضية، تناول كيفية وآلية الرد.
وعلى غير ما كانت عليه الحال في حالات سابقة، طرقت طهران باب الامم المتحدة، في وقت تجمعت فيه الكثير من الوقائع الميدانية والسياسية حول العملية، التي اكدت مصادر دبلوماسية، انها تاتي في سياق استراتيجية “اسرائيلية” مدروسة ومقرة، لضرب سلسلة من الاهداف المنتقاة، في كافة الساحات، من بنك اهداف، اقر بالتعاون بين المخابرات الاميركية و”الاسرائيلية”، وهو ما دفع بطهران الى ابلاغ واشنطن بتحميلها مسؤولية الاعتداء.
وفيما تبقى التساؤلات حول الموقف الاميركي المبهم الذي عبر عنه وزير الخارجية انطوني بلينكن، من فرنسا، مدار استفسار اكثر من جهة دولية، توقفت المصادر عند الدور الروسي، خصوصا ان السلوك الروسي في سوريا قد تغير بعد اتفاق ربط النزاع في اوكرانيا، بين موسكو وتل ابيب، ما اطلق حرية عمل الاخيرة في الاجواء السورية، وسط قرار واضح بعدم تشغيل منظومات “اس-400” التي سبق وتم نشرها، طالما ان الهجمات ملتزمة بالخطوط الحمر المرسومة، بعدم استهداف الجيش السوري، والاهم ابلاغ قيادة “حميميم” بعمليات القصف قبل حصولها بفترة زمنية.
المصادر التي اقرت بان الاستهداف “الاسرائيلي”، تصعيد كبير وتجاوز كل الحدود والكثير من الخطوط الحمراء، فاتحا الباب امام اندلاع حرب مفتوحة، بين المحور وتل ابيب، في اطار سعي الاخيرة “لإشعال نزاع على المستوى الإقليمي” ، التي ستتخذ حكما طابعا دوليا، حيث ستجد الادارة الديمقراطية نفسها متورطة فيه، مؤكدة ان المنطقة انتقلت عمليا الى مرحلة عنوانها المزيد من التصعيد، على اكثر من جبهة ومستوى، لن تكون المصالح الاميركية في منأى عنها.
وكشفت المصادر ان الرد الايراني وفقا لتقييم اجهزة الاستخبارات الاميركية، سيكون مشابها الى حد كبير، برد الفعل الذي اعقب اغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني في بغداد، ذلك ان طهران الساعية منذ اليوم الاول لطوفان الاقصى، الى الحد من تداعيات المواجهة على الصعيد الاقليمي، لن تغامر اليوم باي مواجهة، قد تنقلب ضدها على الساحة الدولية، معددة في هذا الاطار احتمالات الرد وساحاته، واهمها:
– تقاطع معلومات استخباراتية من اكثر من جهة، منذ ايام، عن تحضير المخابرات الايرانية لموجة من الاحتجاجات والتظاهرات، في يوم القدس العالمي، في اكثر من دولة وعاصمة عبربية واجنبية، قد تشمل عمليات شغب.
– رصد تحركات على الجبهة العراقية، بعد الضغط الذي مارسه الحرس الثوري، لوقف الهجمات ضد القواعد الاميركية، خصوصا بعد موجة الغارات التي شنتها واشنطن في العراق وسوريا.
– رفع وتيرة الهجمات في منطقة البحر الاحمر، في ظل عدم نجاح الغارات الاميركية-البريطانية بتحقيق اهدافها في مواجهة الحوثيين. وفي هذا الاطار تتحدث المعلومات عن امكان استهداف بحرية الحرس الثوري لاحدى القطع “الاسرائيلية” العسكرية المنتشرة في تلك المنطقة.
– استخدام الساحة السورية، وهو امر مستبعد راهنا، في ظل القرار الروسي بابقاء سوريا خارج الصراع، يعزز هذه الفرضية تعزيز القوات الروسية لرقعة انتشارها المعزز في منطقة الجنوب السوري.
– اما جبهة جنوب لبنان، فانها في الوقت الحاضر بلغت وتيرة التصعيد فيها حدها الاقصى، ضمن استراتيجية الحفاظ على درة تاج الممانعة والمقاومة، اي حزب الله، وفي هذا الاطار تردد ان احدى احتمالات الرد قد تكون عبر استخدام منظومة الدفاع الجوي واسقاط مقاتلات حربية واسر طياريها، رغم ان فرضية ضرب مراكز استراتيجية داخل تل ابيب تبقى قائمة، سواء عبر استخدام صواريخ باليستية، ام عبر استخدام صواريخ دقيقة وذكية من لبنان، وهو امر مستبعد.
– استهداف المصالح “الاسرائيلية” والاميركية في الخارج، وهو اسلوب لطالما استخدمته المخابرات الايرانية، الا ان تنفيذ هذه العمليات يحتاج الى وقت، وبالتالي فان الانتقام عندها يكون “عالبارد”.
علما ان ايران درجت على عدم الرد على الضربات “الإسرائيلية” بطريقة مباشرة لعدم رغبتها بتحقيق اهداف “إسرائيل” في جرها إلى حرب مباشرة، لذلك كانت نظريتها حول الصبر الاستراتيجي، بضرباته الإستراتيجية التي تحقق لها مساحة اكبر في معادلة الأمن والردع، فلكل جهة في محور الممانعة لها طريقتها في الرد الذي يتناسب مع الوضع الداخلي والخارجي وفي الزمان والمكان المناسبين.
في الخلاصة تجزم اوساط مقربة من الثامن من آذار من ان قرار الرد قد اتخذ، وان غرفة عمليات المحور كلفت بوضع الخطط اللازمة وتحديد الاهداف، مستدركة ان الرد “الذكي” لن يوصل الى اندلاع حرب اقليمية شاملة، الا انه سيكون مؤلما “لاسرائيل” وداخلها، قد يكون بالتعاون مع فصائل فلسطينية منها الجهاد وحماس، من خلال موجة من الانتحاريين.
يبقى ان الايام والاسابيع القادمة ستحسم الخيارات، وستبين ما اذا كانت “اسرائيل” ماضية في سياستها. فهل تبتلع تل ابيب خطوة طهران الانتقامية؟ ام ان ذريعة الرد ستجر الى ما هو اكبر، تماما كما حصل عام 1982؟