طرحت الضربة الجويّة الإسرائيلية القاتلة،ضد مقر القنصلية الايرانية في دمشق، واغتيال مجموعة من كبار مسؤولي وضباط الحرس الثوري الايراني، أكثر من إحتمال بأن يكون لبنان منطلقا للرد الايراني ضد إسرائيل، على هذه الضربة الموجعة، من خلال حزب الله،الذي يعد من أهم اذرع ايران، تنظيما وتسليحا بالمنطقة، بعد سلسلة من التهديدات والوعود الايرانية بالرد، من على أعلى المستويات، بدءا من مرشد الثورة الاسلامية وغيره من المسؤولين السياسيين والعسكريين، لاسيما وان الضربة القاتلة استهدفت مسؤول الحرس في سوريا ولبنان العميد محمد رضا زاهدي.
قد يكون هذا الاحتمال ممكنا في توقعات البعض، انطلاقا من وجود حزب الله، الذي يقود مواجهة عسكرية مفتوحة مع قوات الاحتلال الاسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، منذ عملية طوفان الأقصى وحتى اليوم، من خلال تصعيد ملحوظ للعمليات العسكرية مثلا، او استهداف مناطق او مواقع عسكرية حساسة، او مرافق حيوية. الا ان هذا التوقع بالرد على ضربة دمشق من لبنان، وبمستوى تقريبي، يبدو دونه محاذير وقد يكون مستبعدا في الوقت الحاضر، بالرغم من فداحة الضربة الإسرائيلية التي تلقاها الحرس الثوري الايراني وابعادها على كل المستويات، أولها أن الضربة المميتة هذه،لم تكن الاولى وقد لا تكون الاخيرة في خضم المواجهة المحتدمة بالمنطقة عموما والحرب الإسرائيلية على غزّة خصوصا، وكان قد سبقها اكثر من ضربة قاسية ضد ضباط ومسؤولين كبار من الحرس الثوري الايراني في دمشق، واغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري ورفيقيه بالضاحية الجنوبية لبيروت وضمن المربع الامني لحزب الله تحديدا، ولم يحصل اي رد فعلي ونوعي عليها من قبل حزب الله من لبنان في الاشهر الماضية، وكذلك لم تؤدِ كل هذه الاعتداءات الإسرائيلية وعمليات الاغتيال النوعي، إلى تفجير عسكري واسع النطاق وحرب مفتوحة بين الحزب وإسرائيل، بل استمرت وتيرة المواجهات العسكرية محصورة ضمن مناطق الاشتباكات المسلحة التقليدية، مع اختراقات او استهداف لمناطق بعيدة ومحدودة، مع وجود ضغوط دولية، من اكثر من دولة فاعلة، ورغبة واضحة بعدم توسع الحرب، لاعتبارات محلية وايرانية، خشية من تداعياتها ومؤثراتها الخطيرة غير المحسوبة، ولابقاء خط التفاوض مفتوحا مع الجانب الاميريكي الداعم الاساس لإسرائيل، لاجل تثبيت التفاهم على حدود النفوذ الايراني بالمنطقة وتجنب المساس به.
ومن الاحتمالات المتوقعة،التريث بالرد لاختيار هدف يقارب باهميته فداحة ضربة دمشق الإسرائيلية، وقد لا يكون ممكناً توافره في الوقت الحاضر، لئلا يكون اي رد متسرع او عشوائي، ودون المستوى، أقل تأثيرا ولا يعطي مفاعيله المطلوبة، لردع إسرائيل ومنعها من تكرار عمليات اغتيال مماثلة.
قد يكون من ضمن حسابات عدم رد حزب الله على ضربة دمشق حاليا، تحاشي اي ردود فعل سلبية تؤثر على مجرى المساعي والجهود الديبلوماسية التي يقوم بها المستشار الرئاسي الاميركي اموس هوكشتاين مع إسرائيل ولبنان وحزب الله، للتوصل إلى تفاهم يؤدي إلى الخروج من دوامة المواجهة العسكرية بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي على طول الحدود اللبنانية الجنوبية، لاسيما وان هذه الجهود المتواصلة دخلت بالتفاصيل وقطعت مرحلة مهمة، ولم تفشل أو تقاطع من الطرفين معا،بل يستمر التفاوض عليها ولو بوتيرة بطيئة في الوقت الحاضر، للتوصل إلى تفاهم ينهي الاوضاع المتدهورة جنوبا، ويؤسس لمرحلة ما بعد انتهاء حرب غزّة.
ويبقى ان كثرة التهديدات الايرانية بالرد على ضربة دمشق ومقتل مسؤولي وضباط الحرس الثوري الايراني، لا تعني حصول الرد حاليا وقريبا، بل هي ضرورية ومطلوبة لدغدغة مشاعر الجمهور الايراني، واتباع النظام الايراني في اكثر من منطقة، ومن مقتضيات استيعاب نتائج عملية الاغتيال النوعية لهذا العدد من ضباط الحرس الثوري، واكبر مثال على متاهات وسيناريوهات تنفيذ التهديدات الايرانية المتبعة، السيناريو الهزلي الايراني الذي اتبع في ضرب قاعدة عين الاسد بالعراق، ردا على اغتيال قائد الحرس قاسم سليماني في بغداد على يد الاميركيين منذ سنوات، وذلك بعد إبلاغ الاميركيين مسبقا بواسطة الجانب العراقي بحصول الضربة، استنادا الى رواية وزير الخارجية الايراني السابق محمد جواد ظريف، تحاشيا لسقوط اصابات بين هؤلاء الجنود الاميركيين، وقد لا يكون سيناريو الرد الإيراني على ضربة دمشق مشابهاً، ولكنه حتما لن يكون بحجم التهديدات الايرانية الحالية بالحد الادنى.