قراءة نتائج انتخابات مجلسي الشورى والخبراء، بالاعتماد على جداول الضرب والقسمة والجمع والطرح، تنتج أخطاء كثيرة وعميقة تحول دون رؤية التحول العميق داخل المجتمع الإيراني، وترددات هذا التحول على تركيبة المؤسسات القائمة. لذلك، يجب قراءة النتائج التي ليست نهائية حتى الآن بهدوء وبرودة لاستشراف المستقبل في جمهورية كانت قد دخلت حالة من الجمود السياسي والعقائدي، بعد ربع قرن على ولاية المرشد آية الله علي خامنئي المطلقة، وإمساك المحافظين المتشددين منذ عقدين بالسلطة، وبزحف «الحرس الثوري» المنظم والعميق على مواقع القرارين السياسي والاقتصادي.
أياً كان الموقف من الجمهورية الإسلامية في إيران ودوافعه إيجاباً أو سلباً، فإن هذه الدورة الانتخابية لمجلسي الشورى والخبراء، كانت مميزة في توقيتها وفي إدارتها. ذلك أن مجلس الشورى ينتخب هذه الدورة بعد عامين على انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية، وبعد ستة أشهر على الاتفاق النووي الذي أنجزته الدبلوماسية الروحانية الاستثنائية والصبورة. وكان لا بد أن تنعكس هذه الوقائع على الانتخابات خصوصاً أن الرهان الأكبر للإيرانيين، هو إنجاز ترجمة مباشرة وشاملة للاتفاق ورفع المقاطعة عن الاقتصاد الإيراني وضرورة خروجه من النفق المظلم الذي حشر فيه وأنتج تصعيداً غير مسبوق للتضخم والبطالة والفساد الذي بلغت أرقامه المليارات من الدولارات.
هذا التميز هو الذي أحدث «تسونامي» غير مسبوق من المقترعين الإيرانيين بلغ 62 في المئة من 55 مليون صوت، علماً أن 60 في المئة منهم تحت الثلاثين من عمرهم أي من الذين يبحثون عن فرصة حقيقية للعمل والعيش بكرامة. ومن العبث السياسي والإعلامي، القول ان اقتراع الرئيس الأميركي باراك أوباما وإعلام بي.بي.سي البريطاني، هما اللذان أنتجا «تسونامي» المقترعين أولاً والنتائج المهمة ثانياً. ما حصل أن الإيرانيين اكتسحوا مراكز الاقتراع لأنهم يريدون التغيير وليس القيام بانقلاب، وأن يكون هذا التغيير من داخل النظام وليس من أطرافه أو من أي مؤسسة بما فيها «الحرس الثوري». ولا شك ان رسوخ المجتمع المدني وصلابة الطبقة الوسطى قد دفعا بقوة نحو هذا التبلور. واستناداً الى كل ما نشر حتى الآن عن نتائج الانتخابات فإن القراءة الباردة والعميقة توضح:
*أن «ترويكا» الاعتدال والوسطية والإصلاحية بقيادة هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني ومحمد خاتمي (الممنوع ظهوره في وسائل الاعلام) خططوا ونفذوا بعد دراسة تجربة الانتخابات الرئاسية السابقة، لتشكيل جبهة عريضة واسعة جمعت الى جانبهم المحافظ المعتدل علي لاريجاني.
*ان الهدف الأول والناجح للترويكا كان وتأكد في الفوز «بالتكليف الشعبي« في مواجهة «التكليف الخامنئي«. وفي مواجهة «مصفاة» «مجلس صيانة الدستور» التي ألغت آلاف المرشحين جرى الاعتماد على أسماء غير معروفة مؤكدين بذلك أن الإيرانيين يقترعون للاختيار السياسي وليس للأسماء.
*أن هاشمي رفسنجاني وحسن روحاني اعتمدا منذ البداية على الفوز الكامل بطهران وقد حققاه. وكان نقل عن أوساط رفسنجاني وروحاني أن المطلوب أن يكون الفارق ضخماً جداً بحيث بكون «التكليف الشعبي« راسخاً لا يمكن مواجهته، لذلك فازت اللائحة لمجلس الشورى في طهران رغم انها بقيادة إصلاحي هو محمد عارف، وسقط حتى غلام حداد عادل الذي قاوم حتى اللحظة الأخيرة بعد أن حل الرقم 31 علماً أن عدد الفائزين يجب أن يكون 30. أهمية سقوط غلام عادل أنه مرتبط بالمصاهرة مع خامنئي وانه كان مرشحاً لرئاسة مجلس الشورى القادم.
أما بالنسبة لمجلس الخبراء فإن رفسنجاني ثأر لنفسه ولتاريخه بقوة حاسمة في مواجهة خامنئي الذي أقصاه عن رئاسة المجلس لمصلحة محمد يزدي.
وقد فاز رفسنجاني مع روحاني فوزاً عظيماً إذ فاز 15 من أصل 16 من لائحتهما وسقط رئيس مجلس الخبراء نفسه محمد يزدي وآية الله «الطالباني» مصباح يزدي أما أحمد جنتي الذي فاز في اللحظة الأخيرة بعد مفاوضات يقال انها جرت في الغرف المغلقة لأنه لا يجوز سقوطه وهو رئيس «مجلس صيانة الدستور»، المهم أن رفسنجاني حصل على ضعف عدد أصوات جنتي بفارق مليون صوت، ومع سقوط يزدي فإن المواجهة ستكون مفتوحة على بديل يزدي حيث سيكون صوت رفسنجاني إذا لم يترشح الصوت المرجح.
والسؤال الآن ماذا يمكن أن يفعل أعضاء مجلس الخبراء وحتى ولو كانوا محافظين وهم «شيوخ» مثل العسكر بلا ضباط خصوصاً في أي مرحلة يغيب عنها خامنئي؟ وأخيراً ماذا يمكن لكل هؤلاء أن يواجهوا رفسنجاني» المكلف شعبياً«؟.
*أن حسن روحاني ضمن لنفسه ولاية رئاسية ثانية بعد فوزه الشعبي وإدارته للانتخابات، والهدف الشعبي لاستمرارية روحاني العمل المستمر لتنفيذ سياسته الاقتصادية. ما يدعمه أن معارضي الاتفاق النووي قد سقطوا في الانتخابات بحيث أن مكاسب الاتفاق النووي تصب لمصلحته.
*ان مسارعة «الحرس الثوري» لتأييد النتائج عبر التأكيد على حماية إيران، تؤكد بالملموس وبالأسود على الأبيض، أن «الحرس» يعرف حدوده وسقفه في التدخل بالحياة السياسية الشعبية، طالما أن الانقلاب ممنوع في إيران، فإنه لا يستطيع اللعب على الخيارات السياسية الشعبية، خصوصاً ان «احترامه» لها يسمح له باستمرار نفوذه تحت «عمامة» المرشد.
إن النتائج ليست نهائية لتحديد الهوية الكاملة للمجلس من بين الفائزين. عدد مهم من المستقلين وهؤلاء ينحازون عادة بحسب شروط مصالح دوائرهم، وأن نحو 45 مقعداً ينتظر الدورة الثانية في نهاية نيسان المقبل. لذلك فإن القرارات الحاسمة مؤجلة خصوصاً ان العطلة الصيفية تمتد حتى نهاية آب المقبل أي بما يتوافق مع اشتداد الحملة الرئاسية الأميركية حيث سينتظم الجميع وسيكون الفائز الذي سيدخل البيت الأبيض.
هذا التأجيل لا يعني دخول الحياة السياسية الإيرانية «الثلاجة». بالعكس كل شيء سيكون حامياً خصوصاً بعد أن قذف هاشمي رفسنجاني تحديه للمرشد وللمتشددين مباشرة فقال: «من لا يريده الشعب عليه التنحي». أما القاعدة الثانية فكانت «هذه المنطقة بحاجة للأمن والاستقرار».