تكاد القصّة لا تنتهي عند شحنة الحبوب المخدّرة المصدّرة إلى المملكة العربيّة السعوديّة على أنّها رمّان التي ضبطتها جمارك ميناء جدّة، وفضحت معها أمر تورّط لبنان في كونه حتى الآن ممرّاً يستهدف السعودية بتصدير الأذى والشرّ إلى أراضيها بغضّ نظر قواه الأمنية وعدم ضبط جماركه لما يصدّر من موانئه البريّة والبحريّة والجويّة، فشحنة الحبوب المخدرة موقّعة في لبنان بختم تمّت مراقبتها!!
بداية هذه القصّة ليست من لبنان وإن بلغ ذروة تجارة المخدرات انطلاقاً منه في ثمانينات القرن الماضي طبعاً في تلك الفترة كان الحرس الثوري الإيراني قد استوطن منطقة البقاع، فبحسب وثائق المصادر الدوليّة منذ إنشاء جمهورية إيران «الإسلامية»، ازدادت تجارة المخدرات واستيرادها من أفغانستان، إلى درجة أنّ التقديرات تشير إلى أنّ «الحرس الثوري» يكسب ملايين الدولارات من الاتجار بالمخدرات وحدها، وبحسب مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، فإنّ حوالى 40٪ من المخدرات المحاصرة في إيران تظل في هذه الدولة، منها 60٪ في العراق وتركيا وأذربيجان، وأخيراً في أوروبا، وسيكون من المضحك جدّاً الترويج لمقولة أنّ العقوبات ألجأت إيران وحزب الله إلى تجارة الحبوب المخدّرة والحشيش وسواها، فمنذ نشأت إيران الخميني ازدهرت تجارة المخدرات وهذا وحده يكفي للتدليل على كذب هذه المقولة!! عام 2020 نقلت وكالات الأنباء العالمية معلومات مختلفة عن اكتشاف شحنة كبيرة من المخدرات الإيرانية في شهري نيسان وايار في موانئ ومطارات إيطاليا وبلغاريا ورومانيا واليونان وأفغانستان وتركيا وسوريا، وجرت مصادرتها من قبل القوات المسلحة التابعة لهذه البلدان…
«جاء في تقرير للجنة في الكونغرس حول استهلاك المخدرات في الولايات المتحدة أنّ لبنان بات مصدر 60 في المئة من الانتاج العالمي للحشيش و30 في المئة من صادرات الولايات المتحدة للمخدرات. كما أنّ مساحة زراعة الخشخاش في البقاع قد ارتفعت من ألف دونم عام 1979 إلى ستّة آلاف دونم عام 1985، وأنّ المختبرات اللبنانية تستورد المواد الأفيونية من دول آسيوية وتصنّعها إلى مخدرات وتصدّرها إلى أوروبا وأميركا. وكذلك يستورد لبنان كميات كبيرة من مادة الكوكا من أميركا اللاتينية لإنتاج الكوكايين» [كتاب د. كمال ديب «روجيه تمرز: امبراطورية أنترا وحيتان المال في لبنان» عن المكتبة الشرقية بيروت»}].
عندما وصل الرئيس الرّاحل رفيق الحريري إلى رئاسة الوزراء كان واحداً من الأعباء التي حمل وزرها تنظيف إسم لبنان من تجارة المخدّرات وتبييض الأموال، في العام 1993 كانت الحملة الأولى ودخلت الدولة في عناء البحث عن زراعات بديلة لزراعة الأفيون والحشيش في البقاع، كان الحريري يواجه تاريخ زراعة بدأت من أيام العثمانيين، في نهاية آذار العام 2002 حضر وفد من الهيئة الدولية للإشراف على حملة استئصال المخدرات التي تقوم بها السلطات اللبنانية، وأعلن مكتب مكافحة المخدرات أن مجموعة من مفرزة مكافحة المخدرات قامت بإتلاف مساحة 200 هكتار من الخشخاش في منطقة بعلبك الهرمل شرقي لبنان. لا يزال اللبنانيون يتذكرون مشهد وزير الداخلية والبلديات اللبناني الياس المر يحلّق بطائرة عاموديّة مراقباً العملية معلناً العام 2002 سنة القضاء على المخدرات، ولكن كان ما كان ولإيران وحزب الله مآرب أخرى، المشكلة ليست في مرور هذه الحبوب المخدّرة عبر لبنان لتصديرها إلى دول مختلفة وليس المملكة العربيّة السعوديّة فقط، والشحنات التي تم ضبطها عبر مطار بيروت تشهد، المشكلة أنّ لبنان بات دولة متقدمة في صناعة وإنتاج وتصدير هذه المخدّرة وهي صناعة وتجارة يديرها حزب الله وتابعين له والدّولة تغض بصرها وتتجاهل أنّ حزب الله يعيد نفسه إلى ثمانينات القرن الماضي، وأنّ استمرار هذا العبث سيعيد لبنان إلى اللائحة السوداء للدول المنتجة والمصدرة والمهرّبة للمخدرات.. «وخلّي إيران تنفعك»!!