مفارقة كبيرة أن تخرج شبهة التهديد الإيراني الجديد لدول الجوار في الخليج العربي، خصوصاً السعودية والكويت، من قبل الرئيس الشيخ حسن روحاني وعلى خلفية الهبوط الكارثي في أسعار النفط.. العادة أن يتولى المحافظون، خصوصاً القادة الناريون في «الحرس الثوري»، مهمة الضخ السلبي باتجاه المحيط الجغرافي والسياسي والطائفي، تارة مباشرة، وطوراً (خصوصاً في الآونة الأخيرة) بشكل غير مباشر من خلال الحديث عن امتداد شعاع الثورة من بحر قزوين إلى البحر الأبيض المتوسط ومن اليمن إلى طرطوس مروراً بشواطئ بيروت الخلاّبة!
ويمكن الافتراض أن الشيخ روحاني يفعل ذلك مضطراً.. كأنه يلوم الخارج (ينسى أميركا بالمناسبة؟!) على ما يعتقد أنها «مؤامرة» تحطيم أسعار النفط، لكنه يصوّب في الواقع على الداخل، وتحديداً على «المرشد» الأعلى الذي رعى سياسة أوصلت على مدى سنوات، الاقتصاد الإيراني إلى الكارثة. إلى حد أن شخصية من وزن الشيخ المخضرم هاشمي رفسنجاني لم يتردد قبل شهور عدة في القول بوضوح تام «إن إيران أفلست»!.. بالمعنى المالي المباشر.
يمكن الافتراض، استطراداً، أن الشيخ روحاني يقول مواربة إنه لا يستطيع القتال على جبهتين دفعة واحدة، وإن الخارج، بدلاً من أن يعينه في سعيه لإكمال الاستدارة الإيرانية، يفتح حرباً مريرة وصعبة توازي في شهور قليلة، ما فعلته العقوبات الأميركية والدولية في سنوات، وأن نهجه (الإصلاحي) سيكون المتضرر الأكبر جرّاء ذلك!
حديث المؤامرة له أربابه الثقات الذين يعرفون حركة السوق النفطية وكل ملابساتها. ويستطيعون التقدير ما إذا كان الانهيار مقصوداً أم تلقائياً، وما إذا البعد الآخر غير المشار إليه في هذه «المؤامرة»، إذا صحّت، موازياً في أسباب تركيبها، لذلك الخاص باستهداف إيران وروسيا.. أي ذلك البعد الذي يقول إن التراجع في أسعار الطاقة يُنعش الاقتصادات الغربية بقدر ما يضعف الدول المنتجة.
.. لكن قبل ذلك الحديث وتخميناته وقراءاته المتخصصة، هناك بديهيات لا تحتاج إلى خبراء للدلالة عليها، ويعرفها الشيخ روحاني أكثر بكثير من غيره، وفي أولها أن ادعاءات إيران وطموحاتها أكبر من قدراتها! وأن تلك الادعاءات كلّفتها الكثير وجاءت على حساب كل نواحي التنمية الأخرى.. من المشروع النووي إلى «المشاريع» الأمنية والعسكرية والسياسية والتعبوية الممتدة من بيروت إلى أذربيجان ومن دعم سلطة بشار الأسد إلى انقلاب الحوثيين في اليمن!
انهيار أسعار النفط لم يفعل سوى التسريع في إظهار الكارثة التي استوردتها إيران إلى داخلها من خلال تصدير «شعاعها الثوري» إلى خارجها! ولعب أدوار الدول العظمى من دون امتلاك المقوّمات المكوّنة لتلك العظمة المشتهاة!.. والبديهية التي لا تُجادل، هي أن إيران على مدى حجر من تجربة الاتحاد السوفياتي (السابق) الذي انهار تحت وطأة الاقتصاد أولاً برغم امتلاكه ما لا تملك «الجمهورية الإسلامية» جزءاً يسيراً منه.