من المبكي ـ المضحك، أن يستفيق العرب على كابوس عنوانه العريض: الامبراطورية الايرانية وكأنها لم تتبلور إلا اليوم علماً أن المشروع الخامنئي قديم وتنفيذه لم يتوقف لحظة واحدة منذ تعاونت فيه طهران وهي في قمة العداء مع «الشيطان الأكبر» معه، لإسقاط صدام حسين، والفوز بالجائزة الكبرى وهي العراق.
لقد التقط الكثيرون، وأبرزهم العاهل الأردني الملك عبدالله، بدايات هذا المشروع تحت صيغة «الهلال الشيعي». سواء صحت التسمية أو لم تصح، الأساس أن طهران فتحت خزائنها وثكناتها وحوزاتها لخدمة تحول ايران الى «امبراطورية»، سواء بالتدخل المباشر أو غير المباشر، وحيث لا يمكن التدخل على الأرض، تم جعل اللغة الفارسية «روحاً مشتركة« تجعل الوجود الفارسي مقبولاً ومرحباً به خصوصاً فيما يعرف بالجمهوريات الاسلامية السابقة في الاتحاد السوفياتي..
لقد تجاوزت إيران توصيف «الهلال الشيعي». علي يونسي مستشار الرئيس روحاني والذي كان وزيراً للاستخبارات في حكومة الرئيس محمد خاتمي، كشف المستور عن المعلوم، وصارح الداخل الإيراني قبل الخارج العربي والأميركي والتركي «إن منطقة الشرق الأوسط إيرانية»، وهذا يعني باختصار ان المشروع الأميركي «الشرق الأوسط الكبير» قد سقط لمصلحة المشروع الايراني، حيث «الهضبة الايرانية» تكون المركز الذي يقترب منها الآخرون ليشكلوا «اتحاداً». تشديد بونسي على «العمل إيرانياً وقومياً، رسالة قوية الى الداخل أمام مثل هذه المهمة لا يوجد محافظون متشددون وإصلاحيون وانما يوجد ايرانيون يديرون الشرق الأوسط «لخدمة امبراطورية كما كانت عبر التاريخ عاصمتها بغداد كما هي اليوم».
لم يصل الايرانيون الى هذه الدرجة من الاستقواء لولا عدة تطورات حصلت أو هي على طريق الانجاز من ذلك:
[إن المفاوضات الأميركية الايرانية قد وصلت الى نهاياتها حتى ولو بقيت نقاط لم تحل فإن أمام طهران وواشنطن مئة يوم أخرى لإنجازها.
[ان العراق خرج من المفاوضات مع واشنطن «جغرافية ايران والعراق غير قابلة للتجزئة وثقافتنا غير قابلة للتفكيك».
[ان المفاوضات مفتوحة على سوريا ولبنان واليمن. إيران في وضع القوي، على الآخرين أي العرب قبل الأميركيين أن يقرروا ماذا سيفعلون وما هو الحد الأقصى لتنازلاتهم.
إيران نجحت لأنها خططت ونفذت. العرب كانوا يعرفون بالتقدم الايراني فماذا فعلوا؟
للأسف لا شيء. لم يتوحدوا ولم يضعوا خطة ولو دفاعية رغم أنهم يملكون الرجال والمال والحق المشروع بالدفاع عن حقوقهم ومصيرهم، يمكن القول أن السنوات الأربع الأخيرة كانت كارثية حيث جرى تحويل «الربيع العربي» الى «شتاء عربي».
الآن، وإن تأخر الوقت، يمكن القفز فوق الزمن إذا تم القفز فوق العجز. مرة أخرى يملك العرب جميعهم الرجال والمال والقدرات والجغرافيا. الأساس التنسيق ان لم يكن التوحيد. الأساس في كل ذلك: وحدة القدرات السعودية المصرية، دون ذلك فإن «الامبراطورية الايرانية»، ستتابع تمددها وستنصب أعلامها حيث يمكنها من المحيط الى الخليج، طالما يعتبر أركانها «ان كل المنطقة إيرانية». حصول تغيير في أعلى السلطة الايرانية أي الولي الفقيه لن يغير شيئاً من المشروع الايراني سوى بعض وسائل التنفيذ. الأهداف ستبقى هي هي. مساعدة مصر، تفتح أبواب الانقاذ. على القيادة المصرية أن تهيئ نفسها لهذا الدور، مثلما على الآخرين الاستعداد للاتحاد معها في مشروع لاستعادة القوة.
تركيا مهمة في أي مشروع لمواجهة التمدد الفارسي أو الصفوي. لكن من البداية يجب الحذر من أن تركيا لن تخوض أي مواجهة مع إيران. التاريخ المعقد والطويل والتوازن في القوى يحول دون ذلك، أيضاً ان التعاون لا يجب أن يكون على قاعدة مذهبية، مجرد حصول ذلك تكون إيران قد كسبت «الحرب»، اضافة الى أن تركيا لن تنزلق الى مثل هذا المستنقع.
حان الوقت لمراجعة عربية شاملة. حل مشكلة اليمن من دون مشروع كامل، لن يفيد. المسارعة الى التقاط ما يمكن التقاطه من النظام السوري سواء مع الأسد أو دونه، أصبح خطراً داخلياً. إيران تغلغلت الى قلب النظام وفي تفاصيل سوريا الجغرافية، انتهت أربع سنوات دامية في سوريا. الثورة لم تتوقف والأسد لم ينتصر. الحل في سوريا يجب أن يكون أيضاً جزءاً من المشروع العربي المضاد، لبنان ما زال ممكناً انقاذه، عبر اخراجه أولاً من حالة الفراغ.
لقد دفع العرب الثمن غالياً نتيجة غياب خطة شاملة لكسر الهجمة عليهم. مهما دفعوا مستقبلاً، فإن مردودات الثمن ستكون على الأقل انقاذ هذه الأمة.