لا يكفي اليوم أن يوهم الحلف الداعم لبشار الاسد نفسه بأنه لن يتم إستهداف حليفهم، ولا ينفع تلقطهم لخبر هنا وتصريح هناك لتطمين انفسهم بأن الامور بخير وصناعة سردية توافق رغباتهم، فثمة سياق مخالف لذلك يجري صناعته، وعليهم رؤيته بصدق، حيث يقع نظام دمشق اليوم على خط سلسلة من الإحتمالات السيئة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بسبب التداخل في الواقع الميداني ووقوع النظام على خط سير الخطة القاضية بإزاحة داعش من الخريطة الجغرافية والسياسية للمنطقة.
وفي قلب الإحتمالات السيئة تلك، تأتي إمكانية توسيع القرار الدولي رقم 1270، الصادر عن الفصل السابع والذي يشكل الأساس القانوني للتحرك داخل سوريا، وينطوي على إمكانية توسيع دائرة الإستهداف لضرورات عملانية، فالأمر يحتاج هنا الى تفسيرات أكثر مرونة وإجتهادات في إطار القرار، طالما انه لم يتضمن تحديد منطقة قتال داعش ومدياتها التي تقع في قلب الحيز السوري بكامله، واللافت أن الترجمة الأميركية لهذا القرار تمثلت بحصول إدارة اوباما على تفويض تشريعي لدعم المعارضة المعتدلة في سوريا، حيث تراهن الإدارة الاميركية في المدى المتوسط والبعيد على إعادة تأهيل الثوار المعتدلين لتحسين مواقعهم في الميدان السوري.
قرار آخر صدر أثناء إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ويحمل الرقم 2178، بموجب الفصل السابع، يخص الحالة السورية وينص على «نزع أسلحة جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب… ووقف جميع الأعمال الإرهابية أو المشاركة في الصراع المسلح». القرار في الشكل يعني داعش والنصرة، لكنه في المضمون ينسحب على التنظيمات التي تدعمها إيران، خصوصا ان بعضها يقع على لوائح الإرهاب» حزب الله» مثلا.
لقد ساهم التطور الادائي للثوار السوريين في المعركة على فرض أنفسهم كحقيقة لا يمكن تجاوزها ويمكن الإعتماد عليها، وقوة صلبة أوصلت أخيرا صوت السوريين الى العالم، وجعلت إدارة اوباما تقتنع أن الاسد لم يعد بإمكانه أن يحكم أكثرية سنية رافضة له، لا شك أن أميركا التي لجأت الى المنطق الطائفي والحديث عن مكون سني، لم تخترع هذا السياق على ما يحاول بعضهم الإيهام به، بقدر ما عملت على توصيف الحقائق ضمن حقل سياسي صنعته إيران بامتياز وأسست له ديناميكية قتالية على هيئة بنية عسكرية بأذرع عديدة تمتد فعالياتها من خليج العرب الى شواطئ المتوسط حتى صور، وهذا التطور في الإدراك الأميركي إستتبع تطورا ثانيا على المستوى الإجرائي، وهو التأكد من حقيقة أنه يستحيل القضاء على داعش من دون ضرب خريطة الفوضى الكاملة التي تشكلها والمناخ الذي تنتعش بداخله والذي يقف نظام الاسد في قلبه.
لكن أميركا قررت مواجهة إيران منطقها وآليات عملها نفسها، وذلك عبر نيتها تأسيس منظومة سنية قتالية في العراق وسوريا، الهدف الأساسي لها محاربة داعش وإجتثاث جذورها من البيئة السنية في هذه المنطقة، لكن الهدف البعيد أيضا ملء الفراغ الذي طالما إستفادت منه إيران، وحتى لا تنتهي مخرجات العملية التي تريد القيام بها واشنطن لصالح طهران كما أدت عملياتها السابقة، ومن المتوقع أن ينضوي تحت لوائها مستقبلا الجزء الأكبر من الثوار في سوريا وفي مختلف المناطق، البنية لن تكون مؤقتة ولإنجاز هدف محدد، بل هي مبدئيا ستنال الإعتراف الدولي بها كنواة للقوى الدولية المنظمة في سوريا، وستصبح باعتراف دولي هي الكتلة المؤهلة لقيادة البلاد، ويتوقع أن يصار الى تزخيمها وزيادة فعاليتها نتيجة التطورات العملانية والحاجات التكتيكية، وهذه البنية القتالية السنية التي تسعى واشنطن لتأسيسها تقع على تنافر مع بنية ايران القتالية في المنطقة.
غير انه يتوجب التنبيه لقضية مهمة يثار حولها لغط كبير هذه الأيام، وهي ان أميركا لن تكون قبضتها مطلقة الإحكام في سوريا وعلى التشكيلات التي ستدعمها، وبالتالي فمن غير المقدر أن يضع الثوار كل بيضهم في السلة الاميركية، بمعنى أنهم لن يسمحوا بتمرير أهداف واشنطن ومصالحها بالقضاء على داعش واستنزافهم بهذه المهمة، أيضا الدول الإقليمية المنخرطة في دعم الثورة السورية لا شك أنها تراقب وتفحص مدى إلتزام اميركا بإسقاط نظام الاسد، وفوق ذلك سوف تحاول هذه القوى إستثمار هذه الحالة لتطوير إستراتيجياتها في هذا المضمار، وستسعى الى الإفادة من قرار التسليح والتمويل للثورة السورية لضخ المزيد من أنماط الدعم هذه في جسم المعارضة السورية المسلحة، طالما ان العملية أصبح لها أساس شرعي دولي.
ايران التي بدأت تدرك خيوط اللعبة وتعيد قراءة المشهد من جديد، انتهت حالة الحماس عندها للحرب على داعش ودخلت مرحلة الشك والامتعاض، وهو ما عكسته من خلال رسائلها المشوشة والغامضة عن التحالف، من تشجيعها له ثم بعد ذلك اعلان خامنئي أن طهران «ترفض التحالف مع واشنطن لأن أيديها قذرة»، غير ان الواقائع تؤكد مخاوف إيران من ان تؤدي الأهداف الاميركية الى تهديد قوتها الإقليمية وتعزيز خصومها، وهي تدرك هذه القطبة المخفية في الخطة الأميركية، كما تخشى إيران من أدوار الدول العربية التي تشكل منافسا خطيرا لها في سوريا والعراق، الأمر الذي سينتهي بتقويض قوتها الإقليمية الى أجل بعيد، أو بطريقة لن يعود بإمكانها ترميمه بعد أن جرى إستنزافها سنوات طويلة برسم هلالها من طهران حتى صور على شواطئ المتوسط، ولعلّ أكثر ما يرعب إيران تلك البنية القتالية المنظمة والمهيكلة، ذلك سيعني إنتهاء إحتكارها للقوة في المنطقة أو على الأقل إدخالها بلعبة إستنزافية لن تكون قادرة على خوضها.
لا شك أن هذه التغييرات المراد تأسيسها في بنية الحدث سيكون لها نتائج موازية ومقررة في رسم المشاهد القادمة للإقليم، أولها كسر الهلال الإيراني في مفاصله الأساسية، وثانيها تعدد الخيارات المتاحة للتطورات المستقبلية وخروجها من حالة الخيار الواحد الذي ظلّل سماء منطقة المشرق لفترة طويلة وتمثل بالهيمنة الإيرانية ولا غير.