التأكيد الاميركي غير المباشر للتقارير الصحافية التي تحدثت عن شن ايران غارات جوية على مواقع لما يسمى “الدولة الاسلامية” – (داعش) في شرق العراق، يشكل اعترافاً ضمنياً بوجود شركة تكتيكية على الأقل بين ايران والولايات المتحدة ضد العدو المشترك، وتسليماً أميركياً بالنفوذ الايراني الكبير في العراق. هذا النفوذ وصل الى مرحلة اعلان ايران عن منطقة عازلة في شمال العراق بعمق 25 ميلاً احتفظت لنفسها بحق التدخل فيها. هذا اضافة الى اعلان ايران السابق أن بغداد وكربلاء والنجف، تشكل “خطاً أحمر” لن تسمح لـ”داعش” باختراقه. ونفوذ ايران في العراق يتخطى الحكومة ويشمل مختلف الميليشيات الشيعية المتحالفة مع الحكومة او المناوئة لها.
الاميركيون يؤكدون دوماً انه ليس هناك أي تنسيق عسكري مع ايران، وليس ثمة ما يناقض ذلك، كما انه ليس ثمة أي مؤشر لكون ايران تريد مثل هذا التنسيق. تقول وزارة الدفاع الاميركية إن الحكومة العراقية هي التي تنسق عسكرياً مع ايران، ومع واشنطن وحلفائها ولكن بشكل منفصل. واللافت هو ان واشنطن لم تنتقد هذه الغارات، واكتفت فقط بتكرار موقفها التقليدي من أن أي دور ايراني في العراق يجب ألا يزيد تفاقم التوتر المذهبي في البلاد، في اعتراف ضمني بأن النفوذ الايراني المتعاظم في العراق قد يؤدي الى تعميق التوتر بين السنّة والشيعة داخل العراق وخارجه.
الغارات الجوية التي شنتها الأسبوع الماضي أربع طائرات إيرانية، أميركية الصنع من طراز “ف – 4” في محافظة ديالى القريبة جغرافياً من الحدود الايرانية، والتي كان شاه ايران السابق قد اشتراها من الولايات المتحدة قبل ثورة 1979، لها قيمة عسكرية محدودة. لكن اهمية الحدث تكمن في مغزاه السياسي، وفي ما يعنيه لمستقبل العراق، والاهم من ذلك موقف واشنطن منه، أي قبوله ضمناً.
المفارقة اليوم هي ان ما تقوم به الولايات المتحدة في العراق وفي سوريا صار محكوماً بحدود نفوذ إيران ومصالحها. وأخيراً كشف مسؤول أميركي بارز معني بالحرب على “داعش” أن أحد أسباب امتناع واشنطن عن استهداف نظام بشار الأسد في سوريا هو: الخوف من ان يأتي الرد على شكل عبوات ناسفة ضد الاميركيين في العراق، أي من ايران او الميليشيات المتعاونة معها. اضافة الى القلق الاميركي من أن أي تصعيد ضد نظام الاسد قد يهدد المفاوضات النووية مع طهران.
وليس من المبالغة القول، إن ايران اليوم هي التي تملك النفوذ الخارجي الاكبر في أربع عواصم عربية هي: بغداد، دمشق، بيروت وصنعاء. أهلاً بكم إلى العصر الإيراني في المنطقة.