IMLebanon

التصعيد الإيراني الإقليمي والمقاومة الحلبية صانعة التاريخ

التصعيد الشامل في العراق وسوريا واليمن هو الاتجاه الذي يبدو راجحاً في السياسة الإيرانية الإقليمية في الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات الأميركية. حتى الساعة يُعترض هذا التصعيد من داخله، بعدم الاستعداد كفاية أو عدم الكفاءة الميدانية لإنجازه على الساحة المعنية، ومن خارجه، باصطدامه بتناقضات أهلية أو بمقاومات حادة من طرف جماعات مسلّحة أو بشكل عام من طرف جماعات سكانية تقف حجر عثرة في مواجهة السياسة العدوانية الايرانية في العراق وسوريا واليمن، خصوصاً حين تستشعر، أو حين تلمس باليد، عمل هذه السياسة على إحداث نقلات نوعية في الخارطة السكانية ونسب الانتشار الديموغرافي. 

في العراق، تستفيد هذه السياسة الايرانية بطبيعة الحال من سمة «المسخ» أو «الغول المتعطش للدم» التي اختارها تنظيم «داعش» لنفسه، لأجل تكريس النفوذ الايراني في المناطق غير الخاضعة لسيطرة التنظيم، لكن تجربة «الحشد الشعبي» وان كانت لا تصل لنفس درجة دموية «داعش» الا انه تحمل الكثير من صفات «المسخ»، خصوصاً في ظل الانتداب الايراني عليها بّراً، والتصالح الأميركي الجزئي معها جواً. أما المردود فلا يزال محدوداً، والمواعيد المحددة لتقويض سيطرة «داعش» لا تلبث أن تتأجل، ولو أنه يشهد انكماشاً وتراجعاً بطيئاً وغير استراتيجي حتى الآن لرقعته، ان في العراق أو في سوريا. يبقى ان السياسة الايرانية في العراق تحاول طمس اشكالية التغلب الفئوي، فلا ينفع استقرار العراق على قاعدة نقل هذه الغلبة من فئة الى أخرى، واستبعاد الفئة الأخرى سياسياً وأهلياً. لا ينفع هذا حتى لو انساق كل العالم لفترة معينة وراء التبسيط الاختزالي للصراع. هناك مسألة عربية – سنية في العراق، ولدت بنتيجة الاضطهاد الصدامي للأكراد والشيعة، وبنتيجة غزو العراق وسقوط صدام والانتقال الى اضطهاد العرب السنة، على يد حكم فئوي، افترض الأميركيون انه اذا سُمح له بالتغلب المذهبي في الداخل العراقي فيمكن بذلك إقامة قطب شيعي عراقي منافس للتشيّع الايراني من ناحية، وللتسنّن العربي من ناحية ثانية. فكانت النتيجة تمدّد النفوذ الايراني، وسيطرة «داعش» على أقسام مهمة من المناطق العربية السنية من العراق. 

أما في سوريا، فإيران وروسيا، رغم اختلاف الاجندتين، تتفقان على مساعدة نظام آل الاسد لتحسين شروطه في هذه الفترة الميتة تفاوضيا، الى حين انتخاب رئيس أميركي جديد، من هنا محاولة حسم الموقف في حلب. من هنا ايضاً أهمية المعركة الحالية لكسر الحصار، ولاستنزاف القوات الأسدية وقوات المرتزقة المستقدمة من هنا وهناك للقتل والموت في حلب. فك الحصار عن حلب أساسي لفك الحلقة المفرغة في المفاوضات لاحقاً، أما فرض الحصار والذهاب به الى الآخر، فعلى العكس تماماً، سيعني سلوك الطريق الأكثر بعداً عن أي مسعى سياسي. اذا كان هناك في النظام الأسدي، وبين رعاته، من يتصور ان القتال هو لاعادة ايقاف هذا النظام على قدميه، فهذه مصيبة لمن يفكر هكذا بالدرجة الاولى. اما اذا كان التفكير واقعياً اكثر، ومتصلاً بتحسين شروط وموقع النظام في الحرب، فهذا يعني أن من مصلحة السوريين الاضرار بهذا الموقف قدر الامكان، وهو ما يحتاج لاعادة صيانة شبكة التضامن الاقليمية مع أهل الثورة السورية، مأخوذين بالمعنى الأوسع والأكثر تعددياً للكلمة. 

معركة فك الحصار في حلب أساسية بالنسبة لرد مسار التصعيد الايراني في العراق وسوريا واليمن. وحيوية ايضا بالنسبة الى لبنان الذي يقاتل العديد من ابنائه في صفوف «حزب الله» في حلب، في حين يؤجل فيه تصاعد التوتر الداخلي بسبب «هذا الانشغال العظيم» الى حد كبير. 

أثبت أهل الأحياء المحاصرة، والمسلّحون الذين يتصدون لهجوم بري وجوي واسع النطاق ومتعدد الجنسيات، أنّ الحيوية القتالية الميدانية «أكثر انباء» من كل المعارك المحسومة مسبقاً على الورق. في نفس الوقت، التصعيد ضروري بالنسبة للنظام الايراني، ان تمر هذه الفترة الحرجة دون ان يحقق حسمه المرجو في سوريا والعراق واليمن، فهذا ما يناضل ضده في الليل والنهار كي لا يحصل. هذه المقاومة الحلبية تصنع التاريخ اليوم. والتاريخ كي يستأنف بسوية في هذه المنطقة من العالم، على الموجة الحالية من التصعيد الايراني ان لا تمر.